ما حكم عمل المسلم الذي يدرس القانون الوضعي؛ ثم يفتح مكتباً للمحاماة ويقف مرافعاً أمام المحاكم المدنية لإدارات الشركات؟ وما حكم ما يجمعه من مال؟
وضع القوانين المخالفة للشرع مكان الشرع كفر؛ لأنه رفع للشرع ووضع للطاغوت بدله، وهذا يدخل في قوله عز وجل:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:٤٤] ولا حجة لمن قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وهذه قوانين دنيوية نحن ما أتينا الصلاة والعبادات، والنكاح، والفرائض، لكن المعاملة بين الناس هي أمور دنيوية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أنتم أعلم بأمور دنياكم) فنحن لا نكفر بذلك لأننا لم نرفع الشرع بل تصرفنا وفق الحديث (أنتم أعلم بأمور دنياكم) ؟!! نقول: لقد ضلوا فيما فهموا؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قال:(أنتم أعلم بأمور دنياكم) في أمر الصناعة، وأمر الحرفة، لو جاء النجار وقال: كيف يصنع الباب؟ هل هو أعلم أم الرسول؟ هل النجار الماهر بالصنعة أعلم كيف يصنع هذا الباب أم النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: النجار؛ لأن الرسول تحدث عن هذا في أمر صناعي، وذلك أنه لما قدم المدينة وجد الناس يصعدون إلى فحل النخل ويأخذون الطلع، ثم يصعدون إلى النخلة ويلقحونها، فكم تعب الإنسان؟ أربع مرات، صعود الفحل والنزول منه، وصعود النخلة والنزول منها أربع مرات تقتضي جهداً ووقتاً، فقال لهم:(لو لم تفعلوا لصلح) لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد من المرء أن يكون حازماً، وألا يضيع دقيقة واحدة من عمره إلا في فائدة، فظن أن المسألة ليس فيها فائدة؛ لأنه لم يعش في بلد زراعة ونخيل، أين عاش؟ في مكة في بلد غير ذي زرع، ولا يعرف من هذا شيئاً، فتركوا النخل بدون تلقيح ففسد النخل وخرج البلح شيصاً، فجاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! فسد النخل، فقال لهم:(أنتم أعلم بأمور دنياكم) أي: أنتم أعلم في الحرفة والصنعة لا في الحلال والحرام، ولهذا نظم الرسول صلى الله عليه وسلم بيع النخل، فقد نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، وأطول آية في القرآن تتعلق بالبيع والدين في أمور الدنيا.
فهؤلاء الذين ظنوا أن وضع القوانين المخالفة للشرع في الحكم بين الناس والرجوع إليها عند التنازع أخطئوا في فهم هذا الحديث، والواجب أن يبلغوا أنهم مخطئون؛ فإن أصروا على المخالفة وعلى رفع الحكم الشرعي ووضع القانون بدله فهذا -والعياذ بالله- كفر.
وأما تعلم الإنسان للقوانين الوضعية، إذا كان يتعلمها من أجل أن يدفع الباطل بالحق؛ فهذا لا بأس به، وإذا كان يتعلمها من أجل أن يتبع ما فيها من القوانين المخالفة للشرع؛ فهذا حرام.
وفي هذا نقول: حتى المحاماة في بلد تحكم الشريعة فيه نقول: إذا كان المحامي يريد إيصال الحق إلى أهله؛ فلا بأس أن يمارس هذه المهنة، وإن كان يريد أن يغلب الناس في قوله ومحاماته بالحق أو بالباطل؛ فهذا حرام.