فضيلة الشيخ! بالنسبة لنقل الأعضاء من شخص إلى شخص آخر قبل الموت أو بعده هل في ذلك إشكال؟
نرى أنه لا يجوز، لا قبل الموت ولا بعد الموت، حتى لو أوصى به الميت وقال: إذا مت فأعطوا قرنية عيني فلاناً، أو كليتي فلاناً، أو كبدي فلاناً أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يجوز أن تنفذ هذه الوصية؛ لأنها وصية بمحرم، والوصية بمحرم لا تنفذ، وقد ذكر ذلك أهل العلم، وارجع إلى كتاب: الإقناع في فقه الحنابلة في كتاب الجنائز في فصل: تغسيل الميت تجده تماماً نصوا: على أنه لا يجوز أخذ شيءٍ من أعضاء الميت ولو أوصى به، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(كسر عظم الميت ككسره حياً) وكيف يجوز هذا؟ أنت لست حراً في نفسك، لقد قال الله لك:{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}[النساء:٢٩] وقتل النفس ليس معناه: الواحد يأخذ سكين ويذبح نفسه، لا، حتى كل شيء يؤدي إلى الضرر فهو من قتل النفس.
الدليل: أن عمرو بن العاص بعثه النبي عليه الصلاة والسلام في سرية وأجنب ذات ليلة، وكانت الليلة باردة، فتيمم وصلى بأصحابه، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله! ذكرت قول الله تعالى: ((وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)) [النساء:٢٩] وكانت الليلة باردة فتيممت وصليت، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم) مقراً أو منكراً؟ مقراً، لو كان منكراً نبهه.
فأقول: إن نقل الأعضاء محرم في الحياة وفي الممات.
فإن قال قائل: أليس إنقاذ الإنسان من الهلاك واجباً؟ فالجواب: بلى واجب، لكن هل هو الآن جائع ومعي طعام يجب أن أطعمه إياه، عطشان من الماء يجب أن أعطيه إياه، لكن أن أقطع شيئاً من أعضائي له هذا لا يجوز.
شبه بعض الناس في هذه المسألة الذين يفتون بالجواز شبهوا بأن الله سبحانه وتعالى ذكر أن الخضر قتل غلاماً وكان كافراً وكان أبواه مؤمنين الآية:{وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً}[الكهف:٨٠] قالوا: هذا قتل لأجل مصلحة الوالدين، فنقول: الله المستعان!! أين الاستدلال بهذا؟!! هذا الغلام كافر، والكافر دمه حرام أو حلال؟ دمه حلال، ثم هو كافر مفسد أيضاً؛ لأنه يقول:{فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً}[الكهف:٨٠] فإذا كان كافراً مباح الدم فلا دلالة فيه؛ لأن كلامنا في من كان معصوماً.
فالحاصل أن هذا هو رأيي، وكذلك هو رأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كما سألته في مجلس هيئة كبار العلماء وقال هكذا: إنه حرام.
كل من تأمل النصوص وجد أنه حرام، ثم فيه مفسدة الآن: في بلادٍ أخرى يسطون على الصغار في الأسواق، يأخذ الصغير ويذبحه ويأخذ كبده ويبيعها بملايين الدراهم؛ لأنهم لا يخافون الله ولا يرحمون عباد الله.