للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أعمال اليوم الحادي عشر من أيام الحج]

في اليوم الحادي عشر ليلة الحادي عشر الناس نازلون في منى والنزول في منى واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص لأهل الأعذار كالسقاة والرعاة أن يدعوا المبيت في منى، رخص لعمه العباس أن ينزل إلى مكة ليتولى السقاية -سقاية الناس من زمزم- وهذه مصلحة عامة، ورخص للرعاة -رعاة إبل الحجيج- ألا يبيتوا في منى ويبيتوا في مراعيهم؛ لأنهم يشتغلون في مصلحة عامة، فدل هذا على أن غيرهم ليس له رخصة، وتهاون بعض الناس في المبيت بـ منى لا وجه له إطلاقاً، فمن أراد السنة والحج المبرور فليتمسك بما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم.

في اليوم الحادي عشر يرمي الناس الجمرات بعد الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمها إلا بعد الزوال، ولا يجوز تقديم الرمي في أيام التشريق على الزوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال، وقال: (خذوا عني مناسككم) ولولا أن الرمي قبل الزوال لا يصح لرخص للضعفاء والنساء أن يرموا قبل الزوال كما رخص لهم أن يرموا قبل طلوع الشمس في يوم العيد، ولو كان جائزاً -أعني: الرمي قبل الزوال- لفعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرمي قبل الزوال أيسر على الناس من الرمي بعد الزوال.

إذاً الرمي بعد الزوال معناه: انتظار اشتداد الحر، وهذا يشق على الناس، فلو كان الرمي في الصباح جائزاً لكان أيسر على الأمة، فلما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم وانتظر حتى الزوال علمنا أن الرمي قبل الزوال ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .

ويدلك على أنه لا يصح الرمي قبل الزوال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحين -أي: ينتظر حتى تزول الشمس- ومن حين تزول الشمس يرمي قبل أن يصلي الظهر، فكأنه ينتظر -كما يقولون- بفارغ الصبر أن تزول الشمس حتى يرمي.

ولا يغرنك ترخيص بعض العلماء المبني على غير قاعدة شرعية، ولو أننا أردنا أن نأخذ ترخيصاً مطلقاً لقلنا: كل أيام التشريق محل ذكر لله عز وجل، فارم في أي وقت شئت، لكن هذه أمور محددة {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:٢٠٣] من ذكر الله في الأيام المعدودات رمي الجمرات، هل نأخذ بإطلاق الآية ونقول: متى شئت فارم؟

لا، لأن الأمر بالذكر هنا مطلق بينته السنة فلا تغتر، لكن إذا قال قائل: إذا قلتم: إنه لا يكون الرمي إلا بعد الزوال والحجاج يبلغون مليون وخمسمائة ألف كيف يتسنى أن يرمي هؤلاء فيما بين الزوال إلى غروب الشمس، هذا صعب جداً؛ لأنك لو قسمت هذا العدد على هذا الزمن لوجدت أنه لا بد أن يرمي في الدقيقة كذا وكذا من المائة، أو نحو ذلك؟ نقول: الأمر واسع والحمد لله، يمكن أن ترمي بعد غروب الشمس إلى أن يطلع الفجر من اليوم الثاني، والرمي بعد الغروب إن كان أداءً فهو أداء؛ لأن كثيراً من العلماء يقول: إن الرمي في أيام التشريق من الزوال إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني، وإذا قلنا بأنه لا يمتد إلى الليل وأنه ينتهي بغروب الشمس قلنا: الرمي بعد غروب الشمس يكون قضاءً، فالحاج عجز أن يرمي في وقت الأداء، فليرم في وقت القضاء، والأمر واسع والحمد لله.

فإن قال قائل: النهار تبع لليل، وأنت إذا قلت: ترمي اليوم الحادي عشر في ليلة الثاني عشر جعلت الليل تابعاً للنهار والحال أن النهار تابع لليل؟ قلنا: لا غرابة في ذلك، أليس الناس في عرفة يقفون من الزوال إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فليلة النحر الآن تابعة لليوم التاسع وهي ليلة العاشر فلا غرابة في هذا.

إذاً في اليوم الحادي عشر ماذا نصنع؟ نرمي الجمرات الثلاث، مرتبة كما سمعتم: الأولى ثم الوسطى ثم العقبة.