للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة]

هل صحيح ما يُروى عن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- أنه رأى ربه في المنام؟ وإذا كان صحيحاً فكيف كانت الرؤية؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فهذه مسألة عظيمة: وهي رؤية الله سبحانه وتعالى.

فرؤية الله تعالى في الآخرة أمر ثابت بالقرآن، والسنة، وإجْماع السلف ولكن هل إذا رؤي يُدرك؟! الجواب: لا، لأن الله قال: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:١٠٣] سبحانه وتعالى.

وكم من شيء نراه ولا ندركه، إما لصغره، وإما لبُعده، وإما لغير ذلك من الأسباب! فالله عزَّ وجلَّ يُرى ولا يُدرك.

ولا حاجة إلى سرد الأدلة كلها في ذلك؛ ولكن نشير إشارة يسيرة: يقول الله تبارك وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢-٢٣] .

فالأولى بالضاد بمعنى: حَسَنَةٌ.

والثانية: بالظاء بمعنى: النَّظَر بالعين.

وهذا يكون في المؤمنين؛ لأنه قال في مقابل ذلك: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة:٢٤-٢٥] .

وقال تعالى في الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥] : مفهومُها: أن غيرَ الكفار غيرُ محجوبين.

وفي السنة المتواترة: أن الله تعالى يُرى: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامُون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغْلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) فالأولى: صلاة العصر، والثانية: صلاة الفجر.

والأحاديث في ذلك كثيرة ومتواترة.

وأما السلف فمُجْمِعون على ذلك.

هذا في الآخرة.

أما في الدنيا فإن الله لا يُرى، ولقد سأل موسى عليه الصلاة والسلام وهو أحد أولي العزم من الرسل، سأل ربه أن ينظر إليه: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} [الأعراف:١٤٣] اندكَّ الجبل بمجرد أن تجلى الرب له، فلما رأى موسى هذا المنظر خَرَّ صَعِقاً، وغُشِي عليه من هول ما رأى، وعلم أنه لا يمكن أن يرى ربه؛ لأنه إذا كان الجبل لم يستطيع أن يبقى على ما هو عليه حين تجلى له الرب عزَّ وجلَّ، فإن الإنسان من باب أولى.

ففي الدنيا لا يُرى الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) .

بقي هل يمكن أن يُرى الله في المنام؟ نقول: أما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد رأى ربه في المنام.

وأما غيرُه ففي النفس شيء من ذلك، حتى ما يُروَى عن الإمام أحمد في نفسي منه شيء؛ لأن عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) يشمل اليقظة والمنام، وإذا كان يشمل هذان فلا يمكن أن نقول: إنه يمكن أن يُرى في المنام! وإذا رُؤي في المنام فكيف يُرى؟! إذا كان الشيطان لا يتمثل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلن يتمثل بالله! وأنت إذا رأيت الله سبحانه وتعالى على ما هو عليه في المنام فلستُ أدري، وأنا في شك مما يُروى عن الإمام أحمد أو غيره أنه رأى الله عزَّ وجلَّ.

وأما في الآخرة فإن المؤمنين يرون ربهم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.

السائل: أليس صحيحاً ذلك عن الإمام أحمد؟ الشيخ: والله أنا في شك.