ثم قال تعالى:{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}[الطور:٣٩] وهذا أيضاً بمعنى (بل) والاستفهام الذي للتوبيخ والإنكار، أي: أيكون لله البنات ولهم البنون؟ لأنهم ادعوا أن جنود الله تعالى بنات، وأن لهم البنين، ومعلوم أن من له البنين غالبٌ على من له البنات؛ لأن جنده رجال ذكور أقوى وأحزم وأقدم من النساء، {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً}[الزخرف:١٩] كما قال الله تعالى عنهم ذلك، قال:{أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}[الزخرف:١٩] أي: لم يشهدوا خلقهم حتى يقولوا: إنهم بنات، {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ}[الزخرف:١٩] أي: شهادتهم هذه التي هي زور وكذب (ويسألون) .
المهم أن هؤلاء المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام من قريش قالوا: لهم البنون ولله البنات، قال الله تعالى:{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ}[النحل:٥٧] والذي يشتهونه هو الذكور، حتى إن أحدهم:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ}[النحل:٥٨] أي: مملوءٌ غيظاً وغماً {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} يختبأ من القوم {مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ}[النحل:٥٩] ثم يتردد {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ}[النحل:٥٩] أي: على ذل وهوان، {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ}[النحل:٥٩] يغمسه فيه، وهذه الموؤودة {أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[النحل:٥٩] .