للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم عدم ترتيب مناسك يوم العيد الخمسة]

مسألة: فهمنا الآن أن الإنسان إذا وصل إلى منى يفعل خمسة أشياء كلها في يوم العيد مرتبة كالآتي: ١- رمي جمرة العقبة.

٢- ثم النحر.

٣- ثم الحلق أو التقصير.

٤- ثم الطواف.

٥- ثم السعي.

هكذا الترتيب المشروع، لكن لو قدم بعضها على بعض فهل يجوز؟

نعم.

يجوز بدون حرج وبدون دم وبدون نقص؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل في التقديم أو التأخير فكان لا يسأل عن شيء إلا قال: افعل ولا حرج، حتى قيل له: (سعيت قبل أن أطوف، قال: لا حرج) وهذا من تيسير الله عز وجل.

وهنا نقطة: العلماء رحمهم الله اختلفت أقوالهم في هذه المسألة، منهم من قال: لا حرج لكن عليه دم لفوات الترتيب، وهذا قولٌ ضعيف؛ لأنه يخالف الحديث: (لا حرج) ولم يأمره بالفدية، وهل غاب عن النبي عليه الصلاة والسلام وجوب الفدية؟ أبداً والله، أو حضره ولكن كتمه؟ حاشا وكلا، إذاً: إيجاب الدم من أضعف الأقوال.

وبعضهم قال: يجوز التقديم والتأخير إذا كان عن جهل أو نسيان، لأن بعض السائلين قال: لم أشعر ففعلت كذا قبل كذا، وترتيب الحكم على الجهل أو النسيان يخالف ترتيبه على العمد، وهذا أيضاً ضعيف؛ لأن السائل سئل عن حالٍ وقعت عليه أنه نسي فقدم وأخر، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا حرج) لكن هل قال له: لا تعد؟ لم يقل: لا تعد، بل قال: (لا حرج) وفي بعض الألفاظ: (افعل ولا حرج) (افعل) يعني: في المستقبل فتقييد ذلك بالجهل والنسيان ضعيف؛ لأنه لو كان لا يجوز في السعة لقال الرسول عليه الصلاة والسلام: لا تعد، كما قال لـ أبي بكرة رضي الله عنه حين أسرع وركع قبل أن يصل إلى الصف، قال له: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يقل: ولا حرج، فالمهم أن عدم الترتيب جائز بلا حرج، سواء عن عمد أو جهل أو نسيان، لكن يبقى النظر أيهما أفضل: الترتيب أو عدمه؟ الترتيب لا شك أنه أفضل؛ لأنه فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد قال: (لتأخذوا عني مناسككم) .

فإن قال قائل: إذا كان الأيسر لي أن أقدم الطواف قبل الرمي والحلق أو التقصير؛ لأن معي نساء أخشى أن يأتيهن الحيض قبل طواف الإفاضة، فأضطر إلى أن أبقى في مكة أو أذهب إلى بلدي وأرجع إذا طهرت المرأة؟ قلنا: الآن قد يكون الأفضل في حقك أن تبدأ بالطواف وإن خالفت الترتيب، لعموم قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:٧٨] ، وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥] .