[فرضية صيام رمضان وشروطه]
الصيام لا شك أنه مفروض على الأمة الإسلامية, وأنه ركن من أركان الإسلام, وفرضه الله عز وجل في السنة الثانية من الهجرة, فبقي النبي عليه الصلاة والسلام أربع عشرة سنة بعد البعثة ولم يفرض الصيام, حتى تروضت النفوس على الإسلام واطمأنت واستقرت وفرض في السنة الثانية من الهجرة, وكان أول ما فرض: أن الإنسان مخير بين أن يصوم أو أن يطعم عن كل يوم مسكيناً, ولكن الله ندب إلى الصوم فقال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:١٨٤] فصار من شاء صام ومن شاء أفطر, ثم أوجب الله تعالى صومه عيناً فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:١٨٥] .
ولا يجب صوم رمضان إلا على كل مسلم, بالغ, عاقل, قادر, مقيم, خال من الموانع, يعني: بستة شروط, فالكافر لا نلزمه بالصوم, ولا نقل: صم، لو وجدنا كافراً يأكل ويشرب في بيته في نهار رمضان لا نقول: أمسك, لأنه ليس من أهل الصيام, بل لو صام وهو لم يسلم لم يقبل الله منه؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة:٥٤] فهو لا يؤمر بالصوم ولو صام لا يصح منه, ولا يؤدب على الفطر, لكنه يمنع من إظهار الفطر بين المسلمين.
والصغير لا يجب عليه الصوم, لكن قال العلماء: يجب على وليه أن يأمره بالصوم إذا أطاقه, ليعتاده ويتمرن عليه, ويستقبله بنشاط وعزم إذا بلغ.
والمجنون لا يجب عليه الصوم؛ لأنه ليس أهلاً للتكليف, قد رفع عنه القلم, ولا يجب على المجنون شيء من العبادات إلا الزكاة, فإن الزكاة تجب في مال المجنون؛ لأن الزكاة حق المال.
والعاجز لا يلزمه الصوم, لكن إن كان عجزاً مستمراً لا يرجى زواله، فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً, كالعجز من أجل الكبر، أو من أجل مرض لا يرجى برؤه, فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً ولا يلزمه الصوم, والعجز الذي يرجى زواله كالمريض مرضاً طارئاً يرجى برؤه نقول له: انتظر حتى يزول المرض ثم صم لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٥] .
والمسافر لا يلزمه الصوم, له أن يأكل ويشرب سواء كان في البر لم يصل إلى المدينة التي قصدها أو كان في نفس المدينة, ولو كان يقيم أو يريد الإقامة الشهر كله, فإنه مسافر فله أن يأكل ويشرب لقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولا فرق بين أن يكون سفره لطاعة, كالذي يسافر لعمرة مثلاً، أو لصلة رحم، أو لعيادة مريض، أو لغير طاعة كما لو سافر ليتجر, وأما السفر المحرم فهذا محل خلاف بين العلماء فمنهم من يقول: إن المسافر سفراً محرماً يترخص برخص السفر, ومنهم من يقول: إنه لا يترخص.
وكما قلنا: لا فرق بين أن يكون المسافر يمشي في البر أو مقيماً في بلد قصد إليها, ما دام عزمه أن يعود إلى بلده, فإنه لا زال مسافراً.
من به موانع لا يلزمه الصوم, وهذا إنما يكون للمرأة الحائض والنفساء, فإنه لا صيام عليهما، ولو صامتا لم يصح الصوم منهما, ولكن عليهما القضاء, هذه هي الشروط التي تشترط لوجوب الصوم وهي ستة: ١- الإسلام.
٢- البلوغ.
٣- العقل.
٤- القدرة.
٥- الإقامة.
٦- الخلو من الموانع.