للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم جواز المجاملة والمداراة]

ما حكم المجاملة في بعض الكلمات التي تصدر أحياناً من بعض الزملاء في العمل أو غيره؟ الشيخ: مثل ماذا؟ السائل: مثل أن يوجد رجلٌ ذو لحية فيقول آخرُ لأخيه الحليق: اجلس معنا، فهذا ليس من المتشدِّدين، أو مثل هذا القول.

هذه بارك الله فيك تسمى: مداراة، فمداراة أهل الفسق لعل الله يهديهم هذا لا بأس به.

أما المداهنة بأن تقول: أنا أُعْفِي لحيتي، وأنت احلق لحيتك، وكلٌّ على سبيله، فهذا لا يجوز، بمعنى: كأنك تقول: لا تقل لي ولا أقول لك، فهذه مداهنة لا تجوز.

أما المداراة فتعني: أنك تجامله رجاء أن يهديه الله؛ لأن بعض الناس إذا عاملته بالعنف من أجل معصية؛ أصرَّ عليها، وإذا عاملته باللطف ربما يستجيب.

حدثني عدة أناس عن قضية وقعت، قالوا: إن هناك عاملاً -ليس عاملاً على طين، إنما هو عامل على سَوانٍ لِسَوقِ الإبل والحمير والبقر- عند غروب الشمس مر به أحد الإخوان، ومعلومٌ أن العامل يكون متعباً من الرائحة الكريهة، ومن سَوق الإبل أو الحمير، وكان في يد العامل عصا يضرب بها هذه السواني، فهذا العامل كان متعباً آخر النهار، وكان يغني، ومعلومٌ أن الغناء يشد الإنسان، ويشد أيضاً البهائم، حتى الإبل في الحداء ما شاء الله تُحَمْلِج، فعندما مرَّ عليه هذا الرجل الذي يملك غيرة شديدة تكلم على العامل، وقال له: يا الذي فيك ما فيك، وسَبَّه بما لا أحب أن أذكره الآن، وقال: صوت الرحمن مع صوت الشيطان؟! ما هو صوت الرحمن؟ الأذان، مع صوت هذا العامل.

فالعامل كاد ينفجر، فقال: إما أن تنصرف عني وإلا فهذه العصا أكسِّر بها رأسك.

وأبى الرجل أن ينصرف.

فالعامل عاند وقال: اذهب وصلِّ ولا دخل لك بي.

فجاء هذا الرجل الذي يعتبر من أهل الخير إلى الشيخ -وسُمِّي لي الشيخ؛ ولكن لا حاجة للاسم- فقال للشيخ: أنا مررتُ بالمكان الفلاني، ووجدت العامل ونصحتُه وقال لي: كذا وكذا.

فقال الشيخ: اتركه، وأنا إن شاء الله أنظرُ أمرَه.

فذهب إليه الشيخ في اليوم الثاني عند غروب الشمس، ووجده يغني، يروِّح على نفسه قليلاًَ، وينشد السواني، فركز الشيخ عصاه، ووضع المشلح عليها، ومعلومٌ أن الناس كانوا يفعلون هذا في الأول، وجاء الشيخ وسلم عليه سلاماً عادياً ومُطْمَئِناً، وقال: السلام عليكم.

فرد العامل: وعليكم السلام.

فقال الشيخ: يا ألله قَوّ! لا يقصد الشيخ قَوَّى على الغناء، بل قَوّ على الصلاة.

فلما قال الشيخ هذا الكلام انشرح صدر العامل، فذهب الشيخ وتوضأ، وجاء إلى العامل، فقال: أما تذهب معنا لتصلي؟ قد أذَّن المؤذن، وسيقيم الآن.

قال: ماذا قلتَ؟! قال: قلتُ هذا الكلام.

قال: جزاك الله خيراً، والله لقد مرَّ عليَّ شخص بالأمس وبدأ يشتم، وقال، وفعل، وترك، فقلت له: يا شيخ، طوَّل الله عمرك، والله إذا لم تنصرف من هذا المكان لأكسرنَّ بهذه العصا رأسك.

قال: يا بن الحلال! {وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:٦٣] .

فذهب الشيخ ليصلي، وإذا العامل ترك العمل وتوضأ ولحق بالشيخ، فالتفت الشيخ بعدما سلم، وإذا به يجد العامل يتم ركعةً ولم يقل له شيئاً.

وفي الليلة الثانية لم يذهب الشيخ إليه؛ ولكنه وجد هذا العامل لم يفته شيء من الصلاة.

سبحان الله! لماذا؟ لأنه أتاه بالرفق واللين.

وهذا مهم جداً في جانب الدعوة، ألا تعنِّف، قال الله للنبي عليه الصلاة والسلام: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:١٥٩] سبحان الله! يقول الله عزَّ وجلَّ هذا لأفضل الخلق.

نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للحكمة: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:٢٦٩] .