[أقسام المصائب وأقسام الناس تجاهها]
بالنسبة للمصيبة التي تصيب المسلم، كيف يفرق المسلم بين كونها مكفِّرة للذنوب ورافعة للدرجات، وبين أن تكون نذيراً من الله سبحانه وتعالى للإنسان؟
أولاً: يجب أن نعلم أن الله قال في الكتاب: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:٣٠] .
لأول: إما أنها بما كسبت يده، فيُعاقب على المعصية في الدنيا، وعقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة.
الثاني: وإما أن تكون من أجل امتحانه حتى يصل إلى درجة الكمال في الصبر؛ لأن الإنسان بين حالين: إما سراء، فوظيفتها الشكر.
أو ضراء، فوظيفتها الصبر.
فلا يصل الإنسان إلى درجة الصبر إلا بشيء يُصْبَر عليه، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبتلى أكثر مما يبتلى غيره، حتى إنه يوعَك بالمرض كما يوعَك الرجلان منا، وشدِّد عليه عليه الصلاة والسلام عند الموت من أجل رفعة درجته بمقام الصبر.
فالإنسان يُبْتَلى بلاءً خاصاً، إما بسبب ذنوب ارتكبها، فيكفر الله عنه بهذه المصيبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ولهذا بعض الناس إذا فعل ذنوباً ثم حصلت عليه مصائب وبلايا يشكر الله على هذا؛ لأنه يقول: علم الله بذنبي فعاقبني في الدنيا قبل الآخرة، وعقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة، فيَجْعل ذلك نعمة يشكر الله عز وجل عليها.
والإنسان إذا أصيب ببلاء فله أربع حالات: الأولى: إما أن يتسخط بقلبه أو جوارحه، فيشق الجيب، وينتف الشعر، ويلطم الخد، ويَرَى في قلبه أنه ساخط على ربه -والعياذ بالله- فهذا في أدنى الدرجات، وهو آثم، وقد تبرأ منه الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية) .
الثانية: وإما أن يصبر ويحتسب مع كراهته لما حصل، فهذا قام بالواجب، وله أجر الصابرين، وإذا احتسب الأجر على الله فـ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:١٠] .
الثالثة: حالة أكمل من الصبر وهي الرضا؛ الرضا أكمل من الصبر، فالصابر ساخط للبلاء؛ لكنه صابر، والراضي متساوٍ عنده الأمران بالنسبة لقضاء الله عز وجل ويقول في نفسه: ما قضى الله هذا لي إلا خيراً، فيرضى تماماً، ويكون حاله غير متأثر إطلاقاً، لا بقلبه ولا بجوارحه.
الرابعة: أن يكون في مقام الشكر.
كيف يشكر الله على المصيبة؟! نقول: وجهه ما ذكرتُ لكم قبل قليل: أنه يعلم -إذا كان قد فعل ذنوباً- أن هذه عقوبة لذنوبه، فيشكر الله أن عجل له العقوبة لتكون في الدنيا، وذلك أهون من كونها في الآخرة، ثم يشكر الله على أنه إذا رضي وصبر كانت خيراً له، فيشكر الله على ذلك.