تفسير قوله تعالى:(لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل)
قال تعالى:{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}[الحديد:١٠] لا يستوي من أنفق منكم في سبيل الله وقاتل مع من لم ينفق ولم يقاتل، لا يمكن أن يستوي هذا وهذا؛ لأن دين الإسلام دين العدل في العمل والجزاء وليس كما يقول المحدَثَون المحدِثُون أنه دين المساواة، هذا غلط عظيم، لكن يتوسل به أهل الآراء والأفكار الفاسدة إلى مقاصد ذميمة، حتى يقول المرأة والرجل سواء، والمؤمن والفاسق سواء، والعربي والعجمي سواء، ولا فرق، وسبحان الله! أنك لن تجد في القرآن كلمة المساواة بين الناس، لابد من فرق، بل أكثر ما في القرآن نفي المساواة ((لا يَسْتَوِي)) [النساء:٩٥]{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر:٩] وآيات كثيرة.
فاحذر أن تتبعهم فتكون كالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداءً، بدلاً من أن تقول: الدين الإسلامي دين مساواة قل: دين العدل الذي أمر الله به أن يعطى كل ذي حق حقه، أرأيت المرأة مع الرجل في الإرث سواء أم يختلفون؟ يختلفون، في الدية؟ دية المرأة نصف دية الرجل، وكذلك في العقيقة، فك الرهان: الذكر اثنتان والأنثى واحدة، وفي الدين المرأة ناقصة، إذا حاضت لم تصل ولم تصم، في العقل المرأة ناقصة: شهادة الرجل بشهادة امرأتين، وهلم جرا، الذين ينطقون بكلمة مساواة إذا قررنا هذا وأنه من القواعد الشريعة الإسلامية، ألزمونا بالمساواة في هذه الأمور، وإلا لصرنا متناقضين، فنقول: دين الإسلام هو دين العدل، فهو يعطي كل إنسان ما يستحق، حتى جاء في الحديث:(أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) يعني إذا أخطأ الإنسان الوجيه الشريف في غير الحدود فاحفظ عليه كرامته وأقله، هذا الذي تقيله إذا كان من الشرفاء، إقالتك إياه أعظم تربية من أن تجلده ألف جلدة، لأنه كما قيل: الكريم إذا أكرمته ملكته، لكن لو جاء إنسان فاسق ماجن فهذا اشدد عليه بالعقوبة وعزره، ولهذا لما كثر شرب الخمر في عهد عمر بن الخطاب ماذا فعل؟ ضاعف العقوبة، بدل أربعين جعلها ثمانين.
كذلك الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن:(من شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب يعني الرابعة فاقتلوه) يعني هذا ليس فيه فائدة، ثلاث مرات نعاقبه ولكن لا فائدة، إذاً خيرٌ له ولغيره أن يقتل، إذا قتلناه استراح من الإثم، كما قال عز وجل:{وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[آل عمران:١٧٨] .
الخلاصة: التعبير بأن دين الإسلام هو دين المساواة خطأ والصحيح أنه دين العدل ولا شك.
العجب أن هؤلاء الذين يقولون هذا الكلام يقولون: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) فيتناقضون، الحديث ما نفى مطلقاً قال: إلا بالتقوى، إذاً يختلفون بالتقوى أو ما يختلفون؟ يختلفون، ثم إن هذا الحديث أظنه لا يصح للنبي عليه الصلاة والسلام، لأنه قال:(إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) ففضل، ولا شك عندنا أن العرب -أعني جنس العرب- أفضل من جنس غير العرب، والدليل على هذا أن الله جعل في العرب أكمل نبوة ورسالة، وهي نبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد قال الله تعالى:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام:١٢٤] فالأجناس تختلف، وقال عليه الصلاة السلام:(خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا) احذر أن تتابع في العبارات التي ترد من المحدِثِين المحدَثَين حتى تتأملها وما فيها من الإيحاءات التي تدل على مفاسد ولو على المدى البعيد.
أسأل الله أن يهدينا وإياكم الصراط المستقيم وأن يتولانا في الدنيا والآخرة إنه على كل شيء قدير.