للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)]

قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:٢٩] أي: لا يمكن أن تشاءوا شيئاً إلا وقد شاءه الله من قبل.

فأنا مشيئتي الآن أن أحدثكم وأتحدث إليكم، فهذه مشيئةٌ مني أنا؛ لكنها ما كانت إلا بعد مشيئة الله عز وجل، لو شاءَ اللهُ أشاءُ أنا، ولو شاء الله ألا يكون الشيء ما كان ولو شئتُ، فحتى لو شئتُ والله تعالى لم يشأ فإنه لن يكون، بل يقيِّض الله تعالى أسباباً تحول بيني وبين هذا حتى لا يقع، وهذه مسألة يجب على الإنسان أن ينتبه لها؛ أن يعلم أن فعلَه بمشيئته، مشيئةٌ تامةٌ بلا إكراه؛ لكن ليعلم أن هذه المشيئةَ مقترنةٌ بمشيئة الله، وأنه ما شاء الشيء إلا بعد أن شاء الله، وأن الله لو شاء ألا يكون لما شاءه الإنسان، أو أن الإنسان شاءه؛ ولكن يحول الله بينه وبينه بأسباب وموانع.

وهنا قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:٢٩] ولم يقل ربكم؛ إشارة إلى عموم ربوبية الله، وأن ربوبية الله تعالى عامة؛ ولكن يجب أن تعلموا أن (العالَمِين) هنا ليست كـ (العالَمِين) في قوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:٢٧] .

قلتُ في (العالَمِين) الأولى: إن المراد بها مَن أُرْسِل إليهم الرسول.

أما هنا في (العالَمِين) الثانية: فالمراد بها: كلُّ مَن سوى الله؛ لأنه ما ثَمَّ إلا رب ومربوب، فإذا قيل: ربُّ العالَمِين، تعيَّن أن يكون المراد بـ (العالَمِين) كلُّ مَن سوى الله، كما قال الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: وكلُّ مَن سوى الله فهو عالَم، وأنا واحدٌ من ذلك العالَم.

الحاصل: أن هذه السورة سورة عظيمة، فيها تذكرة وموعظة، ينبغي للمؤمن أن يقرأها بتدبر وتمهل، وأن يتعظ بما فيها، كما أن الواجب عليه في جميع سور القرآن وآياته أن يكون كذلك، حتى يكون ممن اتعظ بكتاب الله، وانتفع به.

نسأل الله تعالى أن يعَظِنا وإياكم بكتابه، وسنةِ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وآياتِه الكونية، إنه على كل شيء قدير.

والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.