{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المطففين:١٠](ويلٌ) سبق الكلام عنها في أول هذه السورة، وقلنا: إنها كلمة وعيد؛ يتوعد الله بها من يستحق الوعيد، وهي كثيرة في القرآن الكريم، وقوله:{الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ}[المطففين:١١] والكلام كله من أول السورة إلى آخرها في يوم الدين والجزاء، وهؤلاء الذين يكذبون بيوم الدين توعدهم الله بالويل؛ لأن هؤلاء المكذبين بيوم الدين لا يمكن أن يستقيموا على شرع الله؛ لأنه لا يستقيم على شريعة الله إلا من آمن بيوم الدين؛ لأن من لم يؤمن به وإنما آمن في الحياة الدنيا فقط فهو لا يهتم بما وراءها، ولا يعمل لذلك، وإنما يبقى كالأنعام:{يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ}[محمد:١٢] .
ولهذا الله يقرن الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر دائماً؛ لأن الإيمان بالله ابتداء، والإيمان باليوم الآخر انتهاء، فتؤمن بالله ثم تعمل لليوم الآخر الذي هو المقر.
فهؤلاء -والعياذ بالله- كذبوا بيوم الدين، ومن كذب به لا يمكن أن يعمل له أبداً؛ لأن العمل مبني على عقيدة، فإن لم تكن لك عقيدة فكيف تعمل؟! ولهذا قال:{وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}[المطففين:١٢] أي: ما يكذب بيوم الدين وينكره إلا كل معتدٍ أثيم، أي معتدٍ في أفعاله أثيم في أقواله، وقيل: معتدٍ في أفعاله أثيم في كسبه، أي: أن مآله إلى الإثم، والمعنيان متقاربان، المهم أنه لا يمكن أن يكذّب بيوم الدين إلا رجل معتدٍ أثيم، آثم كاسب للآثام التي تؤدي به إلى نار جهنم نعوذ بالله.
قال تعالى:{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}[المطففين:١٣](إذا تتلى عليه) يعني: إذا تلاها عليه أحد، وهو يدل على أن هذا الرجل لا يفكر أن يتلو آيات الله، ولكنها تتلى عليه، فإذا تليت عليه قال:(أساطير الأولين) أي: هذه أساطير الأولين.
وأساطير: جمع أسطورة، وهي الكلام الذي يقال للتسلي، ولا حقيقة له ولا أصل، فيقول: هذا القرآن أساطير الأولين! لماذا لا ينتفع بالقرآن وهو أبلغ الكلام وأشده تأثيراً على القلب؟! حتى قال الله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق:٣٧] .
ونكتفي بهذا القدر من الكلام على تفسير آيات هذه السورة.