(ذكرُك أخاك بما يكره) هكذا عرَّفها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أعرف الخلق بمعاني كتاب الله وسنة رسوله، والله تعالى قال في كتابه:{وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}[الحجرات:١٢] ، (قيل: ما الغيبة يا رسول الله؟ قال: ذكرُك أخاك بما يكره -سواء كان ذلك في خُلُقه، أو معاملته، أو بدنه وخِلْقَته، أو أي شيء يكرهه أخوك؛ إذا ذكرتَه به في غَيْبَته فهذه هي الغيبة- قيل: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه) أي: بَهَتَّه مع الغيبة، والرسول عليه الصلاة والسلام -وانتبهوا لهذه القاعدة- يذكر أخص الوصف مع اشتمال الموصوف عليه وعلى غيره، فهنا عندما قال:(فقد بَهَتَّه) هل يعني: لَمْ تَغْتَبْه؟! لا.
بل يعني: فقد بَهَتَّه مع الغيبة.
ونظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه:(وددتُ أنَّا رأينا إخوانَنا، قالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي.
وإخواني قومٌ يأتون مِن بعد يؤمنون بي ولم يروني) ، جعلني الله وإياكم من إخوانه.
فهنا قال:(أنتم أصحابي) ، وقال عن الذين يأتون من بعده: إنهم إخوانه، فهل المعنى: أنتم أصحابي ولستم إخواني؟! لا.
بل هم أصحابه وإخوانه؛ لكن الصحبة أخص من الأخوة.
كذلك لما قال عن الغيبة:(ذكرُك أخاك بما يكره، فقيل: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ فقال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه) فإن معنى بَهَتَّه أي: بَهَتَّه مع الغيبة.