للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ونحن أقرب إليه منكم)]

قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقعة:٨٥] أي: أهله، فإن الله تعالى أقرب إلى الحلقوم من أهله إليه، ولكن المراد: أقرب بملائكتنا، ولهذا قال: {وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:٨٥] والله تعالى يضيف الشيء إلى نفسه إذا قامت به ملائكته؛ لأن الملائكة عليهم السلام رسله, وليس هذا من باب تحريف الكلم عن مواضعه, ولكنه من باب تفسير الشيء بما يقتضيه السياق, أتدرون لماذا قلت هذا؟ لأنه ربما يقول قائل: إن ظاهر الآية: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقعة:٨٥] أن الأقرب هو الله عز وجل, فلماذا تحرفونه؟ نقول: نحن لم نحرفه, بل فسرنا الآية بما يقتضيه ظاهرها؛ لأن الله قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:٨٥] ومعلوم أن الله لم يكن في الأرض حتى يكون المانع من رؤيته أننا لا نبصره إذاً: هم الملائكة لكننا لا نبصرهم, فإذا قلتم: كيف يضيف الله الشيء إلى نفسه والمراد الملائكة؟ قلنا: لا غرابة في ذلك, فإن الله يضيف الشيء إلى نفسه وهو من فعل الملائكة؛ لأنهم رسله, ففعلهم فعله, ألم تروا إلى قول الله تبارك وتعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:١٦-١٨] (إذا قرأناه (المراد: قرأه جبريل وليس الله, لكنه أضاف فعل جبريل إليه لأنه بأمره, وهو الذي أرسله به.

إذاً: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:٨٣] أي: بلغت روح المحتضر الحلقوم صاعدة من أسفل البدن, (وأنتم) أيها الأقارب والأصدقاء تنظرون، حينئذٍ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقعة:٨٥] أي: ملائكتنا أقرب إليه منكم؛ لأنهم حضروا لقبض الروح, والله تبارك وتعالى قد حفظ الإنسان في حياته وبعد مماته؛ في حياته هناك ملائكة يحفظونه من أمر الله, وبعد مماته ملائكة يقبضون روحه ويحفظونها لا يفرطون فيها إطلاقاً, فهم قريبون من الميت, ولكننا لا نبصرهم لأن الملائكة عالم غيبي لا يرون.