للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الاحتفال بمولد النبي أو بغيره من الموالد]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يا فضيلة الشيخ! ما حكم الإسلام في إقامة الموالد سواء كانت لموالد لمشايخ أو مولد النبي صلى الله عليه وسلم؟

أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ لكن أنبهكم أنه لا سلام من جالس ليسأل، إنما السلام للقادم، وأما إذا كان جالساً ويسلم فما السبب؟! كان الصحابة يسأل الواحد منهم الرسول عليه الصلاة والسلام ولا يسلِّم، ولا يقول له الرسول: لماذا لم تسلِّم؟ فالسلام للقادم يا أخي.

أما قولك: ما حكم الإسلام فأنا أريد أن تصحح هذه العبارة أيضاً، فلا توجه سؤالاً لشخص يخطئ ويصيب فتقول: ما حكم الإسلام لأنه إذا أخطأ صار الخطأ من الإسلام؛ ولكن قل: ما ترى في كذا؟ أو ما حكم الإسلام في نظرك في كذا؟ فأنا أقول: أرى أن إقامة الموالد تعظيماً للمولود من البدع التي لم تَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء كانت تتعلق بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بغيره من العلماء أو من العُبَّاد.

وهناك دليلٌ سهل جداً يدل على أن إقامة الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو: أن نسأل: هل أنتم أيها المقيمون للاحتفال أشد حباً لرسول الله من صحابة رسول الله؟! إن قالوا: نعم.

قلنا: كذبتم! وإن قالوا: لا.

الصحابة أشد حباً.

سألنا أولاًَ: هل أقمتم هذا حباً للرسول أم لا؟! إن قالوا: حباً للرسول، قلنا: لماذا لم يُقِمْه مَن هو أشد حباً منكم للرسول؟! أهم في غفلة من هذا، أم في تساهل، أم في جهل؟! الجواب: كل هذا لم يكن.

فإن قالوا: نقيم ذلك لذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قلنا: سبحان الله! هل أنتم تستدركون على الإسلام؟! إن قالوا: نعم.

فالمسألة خطيرة وكبيرة، ومعنى ذلك: أن قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:٣] ليس بصحيح؛ لأنهم بهذا استدركوا على الإسلام.

وإن قالوا: لم نستدرك على الإسلام، قلنا: إذاًَ في ذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما شرعه الإسلام كفاية.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يُذكر في كل عبادة بلسان الحال أو بلسان المقال، فأنت تذكر الرسول بلسان الحال أم بلسان المقال.

الأول: بلسان الحال: كل عابد لله يعبد الله عزَّ وجلَّ إخلاصاً له واتباعاً لرسوله، إذاًَ: أنا أشعر حينما أفعل العبادة أنني متبع للرسول، هذه ذكرى أم غير ذكرى؟! الجواب: ذكرى.

الثاني: أو بلسان المقال: ننظر إلى الوضوء: إذا فرغ الإنسان من وضوئه ماذا يقول؟! الجواب: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وفي الصلاة: فرض علينا أن نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أين هذا الفرض؟! الجواب: في التشهُّد.

وفي النداء للصلاة: مفروضٌ علينا أن نقول: أشهد أن محمداً رسول الله.

إذاً: ما شرعه الله ورسوله مما يكون فيه ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مما ابتدعه هؤلاء، وبهذا نعرف أن الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة، وكل بدعة ضلالة، لا سيما وأن هذا الاحتفال لا يخلو من طوام؛ إذْ يقال لنا: إنه يكون فيه اجتماع واختلاط بين الرجال والنساء.

هذه واحدة، وهي فتنة.

ويقال أيضاً: إنهم يأتون بالقصائد التي فيها الغلو والمبالَغة، وأحسن ما عندهم من القصائد أشدها مبالغة، فمثلاً قصيدة البردة للبوصيري هي أحسن ما يتغنون به، وفيها من الكفر الصريح ما هو ظاهر، يقول البوصيري في هذه القصيدة:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العَمِمِ

أي: إذا حصل حادثٌ عام كزلزال وصواعق وما أشبه ذلك فما لي مَن ألوذ به إلا أنت، ماذا تقولون في هذا البيت؟! الجواب: شرك.

من الذي يُلاذ به عند حلول الحوادث العامة؟! الرب عزَّ وجلَّ، فالحادث الخاص ربما ألوذ بشخص وأقول له: تعال يا فلان، أنقذني من الغرق، أو أخرج هذا الذي انقلبت به السيارة من تحت السيارة؛ لكن الحوادث العامة لا يُرجى فيها إلا الله.

ثم قال أيضاً من جملة ما قال في هذه القصيدة:

فإن مِن جودك الدنيا وضَرَّتَها..

..

.

ما ضرة الدنيا؟ الآخرة.

(مِن) للتبعيض، أي: أن هناك جوداً آخر غير الدنيا والآخرة.

فإن مِن جودك الدنيا وضَرَّتَها ومِن علومك علمَ اللوحِ والقلمِ

أيضاً من علومه: علم اللوح والقلم، وهناك علوم أخرى أيضاً فوق التي في اللوح والقلم يعلمها الرسول.

ماذا تقولون في هذا؟! الجواب: إنكار لملك الله، -أي: إذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول فماذا بقي لله؟! لم يبق شيء.

فهذا مما يحدث في الموالد.

فلذلك يجب على طلبة العلم أن ينبهوا أهل بلادهم عن هذه الاحتفالات، وأنه ليس فيها إلا التعب البدني والمالي، والضلال، فكل بدعة ضلالة.

أما الاحتفال بمولد الإنسان العادي فهذا ليس احتفالاً دينياً، وإنما هو احتفال عادي، ومع ذلك نرى أن لا يُفْعَل؛ لأنه قد يُتَّخَذ ذريعة إلى الاحتفال التعبدي وهو الاحتفال بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول: إذا كنتُ أحتفل بمولد ابني وهو مَن هو بالنسبة للرسول، فاحتفالي بمولد الرسول من باب أولى.

لهذا نرى الكف عن الاحتفال بالموالد مطلقاًَ، سواءً كان ذلك للتعبُّد أو لغير التعبُّد.