للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (لا أقسم بهذا البلد)]

يقول الله عزَّ وجلَّ: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:١] .

(لا) هذه: لاستفتاح الكلام وتوكيده، وليست نافية؛ لأن المراد إثبات القسم، يعني: أنا أقسم بهذا البلد؛ و (لا) هذه أتت هنا للتنبيه والتأكيد.

و {أُقْسِمُ} القَسَم: تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّم على وجه مخصوص.

إذاً: كلُّ شيء مَحْلُوفٍ به فإنه لابد أن يكون معظماً لدى الحالف، وقد لا يكون معظماً في حد ذاته، مثل الذين يحلفون باللات والعزى، فهي مُعَظَّمة عندهم؛ لكنها في الواقع ليست عظيمة ولا مُعَظَّمة.

إذاً: فالحلف أو القَسَم أو اليمين -والمعنى واحد- هي: تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّم عند الحالف، على صفة مخصوصة.

وحروف القسم هي: الباء، والواو، والتاء.

والذي في الآية الكريمة هنا: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} هو حرف الباء.

{بِهَذَا الْبَلَدِ} البلد هنا: مكة، وأقسَمَ الله بها لشرفها وعِظَمها، فهي أعظم بقاع الأرض حرمة، وأحب بقاع الأرض إلى الله عزَّ وجلَّ، ولهذا بُعِث منها رسول الله صلىالله عليه وعلى آله وسلم الذي هو سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه.

فجدير بهذا البلد الأمين أن يُقْسَم به؛ ولكن نحن لا نقسم به؛ لأنه مخلوق، وليس لنا الحق أن نقسم بالمخلوق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، أما الله عزَّ وجلَّ فإنه يُقْسم بما يشاء؛ ولهذا أقسم هنا بـ مكة في قوله: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:١] .