[حكم زيارة القبور وشد الرحل إليها]
هناك رجل يستدل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) على جواز شد الرحال إلى القبور، وأنه من باب أولى شد الرحال إلى قبره صلى الله عليه وسلم لعموم قوله: (ألا فزوروها) وأنه ليس هناك وجه للاستدلال بحديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) على منع شد الرحال إلى القبور, فما قولكم جزاكم الله خيراً؟
قولنا في هذا: أن الواجب على المؤمن ألا يستدل ببعض النصوص ويهمل الأخرى, فالشريعة الإسلامية صدرت من واحد إلى واحد مبلغ، صدرت من الله عز وجل إلى محمد صلى الله عليه وسلم, فيجب علينا أن نجمع النصوص بعضها إلى بعض, فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر الموت -وفي لفظ: تذكر الآخرة-) هذا ثبت، وهو عام (فزوروها) لم يخص النبي صلى الله عليه وسلم مكان دون مكان, ولا ذكراً دون أنثى.
ولكن من المعلوم أن النصوص العامة أو المطلقة تحمل على الخاص أو المقيد, فمثلاً: المرأة لا تزور القبور وإن كان ظاهر هذا النص دخول المرأة في ذلك, لكنها لا تزور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن زائرات القبور) فيستثنى من ذلك أن المرأة لا يحل لها أن تزور القبر أياً كان حتى لو كان قبر أبيها أو أمها أو أختها فإن ذلك حرام عليها, بل قد لعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور, وعلى هذا فتكون زيارة المرأة للقبور من كبائر الذنوب, يستثنى من ذلك أيضاً ما يحتاجه من شد الرحل؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خاطب أهل المدينة الذين يمكنهم أن يزوروا البقيع بدون شد الرحل, ويلحق بهم من ماثلهم, ممن تكون زيارته لا تحتاج إلى شد رحل, ولم يرد عن الصحابة أو التابعين أو الأئمة أنهم قاموا بشد الرحل إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم, مع شدة محبتهم للرسول عليه الصلاة والسلام, وشدة محبتهم للخير والرغبة فيه, وتيسر لهم الأمور في بعض الأحوال, وحيث لم يكن ذلك من دأب السلف؛ فإننا لا نحيد عن طريقهم.
وأما قوله: إن هذا الحديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) فهو محل خلاف بين العلماء, هل يدل على منع شد الرحل لأي مكان كان إلا للمساجد الثلاثة كما اختاره بعض العلماء, وقالوا: إن المراد النهي عن شد الرحل لأي مكان كان, ومعلوم أن الذي يشد الرحل للمقبرة ليس يتصل بالمقبور ويتحدث إليه ويؤنسه, وإنما يزور المكان في أي مكان كان هذا المقبور، فهو يريد مكان القبر لا يريد أن يدخل القبر أو أن يخرج الميت إليه, ومن العلماء من قال: إن هذا نهي عن شد الرحل إلى المساجد سوى المساجد الثلاثة, وأنه لا علاقة له في شد الرحل لزيارة القبور.
ونحن نقول: هب أن مراد عليه الصلاة والسلام هو هذا, لكن هل أحد من أصحابه أو من أئمة الأمة شد الرحل إلى زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام؟ لا يوجد هذا إطلاقاً, وإذا لم يوجد فلنا فيهم أسوة, فنقول: لا تشدوا الرحل إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم, ولكن شد الرحل إلى المدينة للصلاة في المسجد النبوي؛ لأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة مما سواه إلا المسجد الحرام.