[تفسير قوله تعالى: (ومن شر حاسد وإذا حسد)]
قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق:٥] الحاسد: هو الذي يكره نعمة الله عليك, فتجده يضيق ذرعاً إذا أنعم الله على هذا الإنسان بمال أو جاه أو علم أو غير ذلك فيحسده, ولكن الحساد نوعان: نوع: يحسد ويكره في قلبه نعمة الله على غيره, لكن لا يتعرض للمحسود بشيء, تجده مهموماً مغموماً من نعم الله على غيره, لكن لا يعتدي على صاحبه, والشر والبلاء إنما هو بالحاسد إذا حسد, ولذا قال: {إِذَا حَسَدَ} , ومن حسد الحاسد العين التي تصيب المعان, يكون هذا الرجل -نسأل الله العافية- يكون عنده كراهة لنعم الله على الغير, فإذا أحس بنفسه أن الله أنعم على فلان بنعمة خرج من نفسه الخبيثة معنىً لا نستطيع أن نصفه؛ لأنه مجهول, فيصيب بالعين من تسلط عليه, أحياناً يموت وأحياناً يمرض وأحياناً يجن, حتى الحاسد يتسلط على الحديد فيوقف اشتغاله, ربما يصيب السيارة بالعين وتنكسر أو تتعطل, أو ربما يصيب رفاعة الماء أو حراثة الأرض, المهم أن العين حق تصيب بإذن الله عز وجل.
ذكر الله عز وجل: الغاسق إذا وقب, والنفاثات في العقد, والحاسد إذا حسد؛ لأن البلاء كله في هذه الأحوال الثلاثة يكون خفياً, الليل ستر وغشاء, قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:١] يكمن فيه الشر, ولا يعلم به, النفاثات في العقد -أيضاً- كذلك السحر خفي لا يعلم, الحاسد إذا حسد العائن -أيضاً- خفي, تأتي العين من شخص تظن أنه من أحب الناس إليك، وأنت من أحب الناس إليه ومع ذلك يصيبك بالعين, لهذا السبب خص الله هذه الأمور الثلاثة: الغاسق إذا وقب, والنفاثات في العقد, والحاسد إذا حسد, وإلا فهي داخلة في قوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} .
فإذا قال قائل: ما هو الطريق إلى التخلص من هذه الشرور الثلاثة؟ قلنا: الطريق أن يعلق الإنسان قلبه بربه, ويفوض أمره إليه, ويحقق التوكل على الله, ويستعمل الأوراد الشرعية التي بها يحصن نفسه ويحفظها من شر هؤلاء, وما كثر الأمر في الناس في الآونة الأخيرة من السحرة والحساد وما أشبه ذلك؛ إلا بسبب غفلتهم عن الله, وضعف توكلهم على الله عز وجل, وقلة استعمالهم للأوراد الشرعية التي بها يتحصنون, وإلا فنحن نعلم أن الأوراد الشرعية حصن منيع أشد من سد يأجوج ومأجوج, لكن مع الأسف أن كثيراً من الناس لا يعرف عن هذه الأوراد شيئاً, ومن عرف فقد يغفل كثيراً, ومن قرأها فقلبه غير حاضر, وكل هذا نقص, ولو أن الناس استعملوا الأوراد على ما جاءت بها الشريعة لسلموا من شرور كثيرة.