للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا)

ثم قال الله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} [الحجرات:١٤] .

الأعراب: اسم جمع لأعرابي، والأعرابي هو ساكن البادية كالبدوي تماماً، الأعراب افتخروا فقالوا: آمنا، افتخروا بإيمانهم.

فقال الله عز وجل: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:١٤] :- قيل: إن هؤلاء من المنافقين؛ لقول الله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ} [التوبة:١٠١] ، والمنافق مسلم؛ ولكنه ليس بمؤمن، مسلم، لأنه مستسلم ظاهراً إذْ أن حال المنافق أنه كالمسلمين ولهذا لم يقتلهم النبي عليه الصلاة والسلام مع علمه بنفاقهم؛ لأنهم مسلمون ظاهراً لا يخالفون، {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة:١٤] .

وقيل: إنهم أعراب وأيضاً منافقون؛ لكنهم ضعفاء الإيمان، يمشون مع الناس في ظواهر الشرع؛ لكن قلوبهم ضعيفة، وإيمانهم ضعيف.

فعلى القول الأول يكون قوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:١٤] أنه لم يدخل أصلاً، هذا على القول بأنهم منافقون.

وعلى الثاني: أي: لَمَّا يدخل الإيمان الدخول الكامل المطلق، عندهم إيمان؛ لكن لم يصل الإيمان إلى قلوبهم على وجه الكمال.

والقاعدة عندنا في التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين فإنها تُحْمَل عليهما جميعاً ما لم يتنافيا، فإن تنافيا طُلِب المرجَّح.

{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} .

{وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يعني طاعتهم في الظاهر يحمل عليها الإيمان في الباطن.

{لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} {لا يَلِتْكُمْ} أي: لا ينقصكم من أعمالكم شيئاً؛ لأن الله تعالى لا يظلم أحداً.

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٧-٨] أي شيء فإنه موفىً للإنسان، لكن سبحان الله رحمة الله سبقت غضبه، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:٧] ويثاب عليه، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٨] وهل يعاقب؟ قد يعاقب وقد يعفو الله عنه.

فالسيئات يمكن أن تمحى والحسنات لا يمكن أن تنقص، ولهذا قال: {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} بعدها: ((إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) وسبق معنا هذين الاسمين الكريمين.

ونقتصر على هذا القدر ويأتي إن شاء الله ما يستفاد من هذه الآية؛ لأنه قد حان وقت الأسئلة.