[التفصيل في حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلم]
ذكرتم في بعض دروسكم أن الذي يسب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد أصحابه فإنه يكفر وله توبة ولكن مع القتل أخذاً بثأر النبي صلى الله عليه وسلم وأخذاً بثأر أصحابه رضي الله عنهم، فإذا كان هذا الشاتم في زمن غفلة ومعصية ولكن لا يزال مسلماً فهل يطبق عليه حكم القتل بعد أن تاب وأناب وندم على ما فعل كما كان الحال مع الصحابي الجليل كعب بن زهير رضي الله عنه، وقصة شتمه للنبي صلى الله عليه وسلم معروفة، نرجو التوضيح والله يحفظكم؟
يقول السائل: ذكرتم في بعض دروسكم أن من سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحداً من أصحابه فإنه يكفر ويقتل، والأمر ليس كذلك، إنما الصواب: أن من سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي يكفر، أما من سب أحداً من الصحابة فلا يكفر، لكن لو سب الصحابة عموماً أو سبهم إلا نفراً قليلاً فإنه يكفر، لكن الكلام الآن وموضوع الإجابة سيكون عن سب الرسول صلى الله عليه وسلم.
فنقول: إذا سب الرسول فإنه يكفر، سواء كان جاداً أو مازحاً أو مستهزئاً، فإنه يكفر لقول الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥-٦٦] ولكن إذا تاب تقبل توبته؛ لقوله تبارك وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣] .
ولكن هل يسقط عنه القتل؟ الجواب على هذا: فيه تفصيل: إن كان الذي سب الرسول صلى الله عليه وسلم سبه وهو كافر لم يسلم بعد فإنه لا يقتل؛ لعموم قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:٣٨] .
أما إذا كان الذي سب الرسول مسلماً وارتد بسبب سبه الرسول صلى الله عليه وسلم فإن القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يقتل مع قبول توبته؛ أخذاً بالثأر للرسول صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: إنه قد وجد أناس سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل توبتهم ولم يقتلهم.
قلنا: نعم.
هذا صحيح، لكن الحق في القتل لمن؟ للرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا عفا عنهم في حياته فالحق له، إن شاء قتلهم وإن شاء لم يقتلهم، لكن بعد موته لا نستطيع معرفة إن كان الرسول سيعفو عنهم أم لا، فإذا كانوا مستحقين للقتل بسبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حق آدمي، ولم نعلم أنه عفا عنهم، فإن الواجب قتلهم.
ثم إن في قتلهم مصلحة وهو كف ألسنة غيرهم عن سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أما هم فقد قبل الله توبتهم إذا كانت توبتهم نصوحاً، وأمرهم إلى الله، وإذا لم يقتلوا اليوم ماتوا غداً، وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
ويرى بعض العلماء أنه إذا تاب فلا تقبل توبته ويقتل كافراً، وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد، قال في زاد المستقنع: ولا تقبل توبة من سب الله أو رسوله، ولكن هذا القول ضعيف؛ لأن الصواب: أن التوبة مقبولة متى صدرت على الوجه الصحيح، لكن إن كان سب الله فإنه لا يقتل، وإن كان قد سب الرسول فإنه يقتل، ولعلكم تتعجبون فتقولون: أيهما أعظم: سب الله، أم سب الرسول صلى الله عليه وسلم؟!! الجواب: سب الله أعظم بلا إشكال، إذاً فلماذا إذا تاب من سب الله قبلنا توبته ولم نقتله، وإذا تاب من سب الرسول قبلنا توبته وقتلناه؟ لأن من سب الله وتاب تاب الله عليه، وقد أخبر الله تعالى عن نفسه أنه يسقط حقه فقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣] فنحن نعلم أن الله تعالى قد عفا عنه بتوبته من سب الله، أما من سب الرسول فلا نعلم أن الرسول عفا عنه، وحينئذٍ يتعين قتله.
هذا وجه الفرق بينهما.
وذهب بعض العلماء: إلى أن من سب الله أو رسوله ثم تاب قبلت توبته ولم يقتل، فصارت الأقوال في المسألة ثلاثة، أرجحها أن توبته تقبل ويقتل.