[حكم استعمال العطور المحتوية على الكحول]
ما حكم استعمال العطور على الجسم والملابس، فمن الناس من يمنع هذا ويعلله بوجود الكحول فيها؟ الشيخ: ما هي العطور؟ السائل: الأطياب يا شيخ! الشيخ: الأطياب! هل أحد يسأل عن حكم الطيب، الناس يبحثون عن الطيب (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) وقال عز وجل: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} [المائدة:١٠٠] ما أظن هذا السؤال الذي تريد لعلك تريد شيئاً آخر.
السائل: يا شيخ! العطور الشرقية يقولون: فيها كحول؟ الشيخ: هل الناس يشربونها أم يتطيبون بها؟ السائل: يضعونها على الجسم والملابس.
الشيخ: يعني يتطيبون بها أم يشربونها؟ السائل: لا، لا يشربونها.
الشيخ: أقول: لا بأس باستعمالها، فإن كان الخلط يسيراً كـ ٣٠% أو ٤٠% فهذا لا إشكال فيه، لأن الحكم على الأغلب، وإن كان يسيراً لا يظهر على المخلوط معه فهذا لا بأس فيه لا إشكال في ذلك أيضاً، وإن كان هناك احتمال فلا أحرم ذلك لكنني لا أستعمله، لا أحرمه؛ لأن الآية الكريمة إنما تدل على تحريم الخمر شرباً أو أكلاً، فإن ذلك هو الذي يذهب العقل ويحدث العداوة والبغضاء، أما التمسح به فهذا لا يحدث عداوة ولا بغضاء، ولهذا قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة:٩٠-٩١] ومعلوم أن هذا أعني إلقاء العداوة والبغضاء لا يكون إلا بالشرب، فلا يظهر أن قوله: (اجتنبوه) يعني: أكلاً وشرباً واستعمالاً، لا يظهر هذا، (اجتنبوه) في هذه الحال التي يكون فيها سبباً للعداوة والبغضاء.
وخلاصة
أولاً: الخمر ليس بنجس، أصل الخمر ليس بنجس؛ لأنه لا دليل على نجاسته، ولا يلزم من التحريم أن يكون نجساً، فقد يكون شيئاً محرماً وليس بنجس، كما في السم فهو محرم، وليس بنجس الدخان محرم، وليس بنجس؛ لكن يلزم من النجاسة التحريم، فكل نجس محرم وليس كل محرم نجساً.
هذه واحدة فلا دليل على نجاسة الخمر.
وأما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:٩٠] فالمراد بذلك الرجس المعنوي، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:٢٨] (نجس) نجاسة حسية أم معنوية؟ معنوية، ولهذا بدن الكافر طاهر.
إذاً النجاسة التي في الآية نجاسة معنوية، وهي نجاسة العمل.
ثانياً: يدل لهذا أيضاً: أنه لما حرمت الخمر وكانت مع الصحابة في أوانيهم أراقوا الخمر في الأسواق ولم يؤمروا بغسل الأواني، ولو كانت نجسة لأمروا بغسل الأواني كما أمروا بغسل الأواني من لحم الحمير حين حرمت.
ثالثاً: أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم براوية من خمر -قربة كبيرة- خمر أهداها للرسول عليه الصلاة والسلام فقال: إنها حرمت -يعني: ولن أقبلها وهي حرام- فسكت الرجل فتكلم معه أحد الصحابة سراً وقال له: بعها.
فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بم ساررته؟ قال: قلت يا رسول الله: بعها، قال: لا، إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الراوية، ولو كان الخمر نجساً لأمره بغسل الراوية.
رابعاً: إذا قلنا أن الخمر ليس بنجس فما خلط فيه ليس بنجس من باب أولى.