قال الله تعالى:{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد:٨-١٠] هذه ثلاث نعم من أكبر النعم على الإنسان.
{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ}[البلد:٨] أي: يبصر بهما، ويرى بهما، وهاتان العينان توصلان إلى القلب ما نظر إليه الإنسان، إن نظر نظرة محرمة كان آثماً، وإن نظر نَظَراً يقربه إلى الله كان غانماً، وإن نظر إلى ما يباح له، فإنه لا يُحْمَد ولا يُذَم ما لم يكن هذا النظر مُفْضياً إلى محظور شرعي، فيكون آثماً بهذا النظر، أو العكس.
قال تعالى:{وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ}[البلد:٩] : لساناً ينطق به، وشفتين يضبط بهما النطق، وهذه من نعم الله العظيمة؛ لأنه بهذا اللسان وبالشفتين يستطيع أن يعبر عمَّا في نفسه، ولولا هذا ما استطاع، لو كان لا يتكلم فكيف يؤدي ما في قلبه؟! كيف يُعلم الناس بما في نفسه؟! اللهم إلا بإشارة فإنها تُتْعِب المشير، وكذلك المُشار الذي أُشِيْرَ له؛ ولكن من نعمة الله أن جعل له لساناً ناطقاً، وشفتين يضبط بهما النطق، وهذا من نعمة الله، وهو أيضاً من عجائب قدرته، فمن أين يأتي النطق؟! يأتي من هواء يكون في الرئة فيخرج من مخارج معينة، فإن مَرَّ بشيء صار حرفاً، وإن مَرَّ بشيء آخر صار حرفاً آخر، وهو هواء واحد، من مخرج واحد؛ لكنه يمر بشعيرات دقيقة في الحلق والشفتين واللثة، هذه الشعيرات تكوِّن الحروف، فنجد مثلاً: الباء والشين كلاهما يحدث بهواء يندفع من الرئة، ومع ذلك تختلف باختلاف ما تمر عليه في هذا الفم من مخارجِ الحروف المعروفة، وهذا من تمام قدرة الله عزَّ وجلَّ.