[ذبح الأضحية في بلد المضحي]
ومما ينبغي التنبه له والتنبيه عليه: ما شاع وذاع من هيئة الإغاثة بطلب الفلوس من الناس يضحى بها في أماكن أخرى، فإن هذا خلاف السنة، السنة: أن الإنسان يضحي في بيته عنه وعن أهل بيته يأكلون ويتمتعون ويشكرون الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، ونقل الأضحية إلى أماكن أخرى يفوت به مصالح كثيرة: منها: ظهور الشعيرة، فإنك إذا ضحيت في مكان آخر خفيت الشعيرة في البلد، وربما مع طول الزمن لا يكون في البلد أضاحي إطلاقاً تصرف إلى الخارج، لا سيما إذا قيل للناس: إنها في الخارج أرخص من هنا، وإنك إذا ضحيت هنا بأضحية واحدة تستطيع أن تضحي بثلاث ضحايا في البلاد الأخرى، ولا شك أن خفاء الشعائر ضرر.
ومن المصالح التي تفوت: أن الإنسان إذا ضحى في بلاد أخرى فإنه يفوته ذكر اسم الله عليها، وذكر اسم الله عليها من أفضل الأعمال كما قال تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج:٣٦] .
ومنها: أنه يفوته أن يأكل منها، والأكل منها مؤكد فقد قدمه الله تعالى على الصدقة: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:٢٨] ، ولهذا لما أهدوا النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة أمر أن يؤخذ من كل بدنة قطعة فجعلت في قدرٍ فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها؛ تحقيقاً لأمر الله تعالى في قوله: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج:٢٨] .
ومن المصالح التي تفوت في التضحية خارج البلد: أن الإنسان لا يطمئن كيف وزعت، وهل وزعت على وجه مشروع أم على وجه غير مشروع؟ وإذا كانت عنده اطمأن، ووزعها بنفسه أو يوزعها وكيله الذي يشاهده.
ومنها: أنها إذا ضحيت في بلاد أخرى فإنه لا يدري متى تضحى، قد تضحى قبل الوقت جهلاً من المضحي، وقد تضحى بعده، ثم هو مرتبط بها؛ لأنه لا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي، ولا يدري متى تذبح هذه الأضحية فيبقى معلقاً كل أيام العيد لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشره شيئاً؛ لأنه لا يدري هل ذبحت الأضحية أم لا، ولا سيما إن كانت في بلاد شرقية فإنهم يتأخرون عنها في الغالب يوماً وربما يتأخرون يومين، فيبقى معلقاً من العيد إلى أيام التشريق الثلاثة إلى اليوم الرابع الزائد أو الخامس.
ومن المصالح التي تفوت: التعيين وهو أمر مهم، فإن الأضاحي هناك إذا جمعوا -مثلاً- ألف رأس ثم أرادوا أن يذبحوها لا يقولون: هذه عن فلان؛ لأن هذا يصعب عليهم، فلا يعينوها، وإذا لم تعين فقد يقال: إنها لا تجزئ؛ لأنه إذا ذبح واحدة من ألف وسئل: لمن هذه؟ قال: هذه لواحد من هؤلاء الألف، فمن الواحد إذ أنه ليس عندهم قوائم كتبت بها الأسماء وصاروا يعطون للغنم ويذبحونها على حسب هذه القائمة، وهذا أمر خطير؛ لأنه قد يقال بعدم الإجزاء في هذه الصورة إذا لم يعين من هي له.
ليست الأضاحي كطعام يجمع ويوزع وكل ينال أجر صدقته، ولا دراهم كذلك تجمع وتوزع وكل له أجر صدقته، هذه قربات يتقرب الإنسان بها إلى الله في ذبح المعينة التي له، وهذا قطعاً لا يتسنى فيما إذا ضحى في بلد آخر.
ومن المحاذير التي تحصل: أنه إذا جمع مثلاً في هذا المكان آلاف الضحايا فهل بإمكانهم أن يذبحوها في وقت الأضحية، قد لا يستطيعون كما جرى هذا في المسالخ التي في منى، فإنهم في سنة من السنين عجزوا أن يقوموا بذبح الهدايا كلها قبل فوات أيام التشريق، وحينئذٍ لا تذبح الأضحية إلا بعد فوات الوقت، والحاصل: أن كل شيء يخل الإنسان فيه بالمشروع فإنه يترتب عليه محاذير.
إذاً المشروع أن تذبح الأضحية في البلد، والأفضل أن يذبحها الإنسان في بيته ويشاهدها أهله وأولاده، ويصطبغ في قلوبهم محبة هذه الشعيرة، وليعلم أنه ليس المقصود من الأضحية الفائدة المادية -يعني: الأكل أو الدراهم- لقول الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:٣٧] والدليل على ذلك: أن هذه الأضحية جعل الله لها حرمات قبلها، واعتنى الشرع بها، فإذا دخلت العشر من ذي الحجة والإنسان يريد أن يضحي حرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو بشرته أو جلده، ونسأل: لو أراد أن يتصدق يوم العيد بألف ريال فهل يحرم عليه إذا دخل العشر أن يأخذ من شعره وبشرته وأظفاره شيئاً؟ لا، إذاً عرفنا أن الأضحية عبادة مستقلة لها كيانها ولها أهميتها، وليس المقصود لحماً يأكله الفقير أو ما أشبه ذلك.
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم البصيرة في دينه، وأن يعيننا على العمل به إنه على كل شيء قدير.
وإنني بهذه المناسبة: أود من إخواني المسلمين أن لا ينسابوا أمام العواطف، بل يجب عليهم أن يتحروا ما كان موافقاً للشرع.