[حكم الذهاب إلى بلاد الكفر للدعوة إلى الله]
فضيلة الشيخ! هناك ظاهرة انتشرت في القرى وهي ذهاب بعض الشباب من الدعاة بعوام تلك القرى إلى بعض البلاد التي تكثر فيها البدع والانحرافات كـ باكستان وبنجلاديش وغيرها، بل إنهم تعدوا الآن إلى البرازيل، بل إنهم يذهبون بالنساء وهذا ثابت، وظاهر أن هؤلاء لا يهتمون بالتوحيد والعقائد، كما أنهم لا يعرفون لغة هؤلاء القوم الذين يذهبون إليهم، وإذا سألتهم قالوا: نذهب نصقل قلوبنا، فما أدري ما الواجب علينا، هل نسكت أم نحذر من الذهاب إلى تلك البلدان؟
الواقع أن الذهاب إلى البلاد الكافرة للدعوة إلى الله عز وجل لا شك أنه خير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الدعاة إلى بلاد الكفر ليدعوا إلى الله عز وجل وهذا يتوقف على أمرين: الأمر الأول: العلم، بأن يكون لدى الداعية علم؛ لأن الداعي إذا دعا فقد قال على الله ما لا يعلم وهو حرام؛ ولأن الداعي لا بد أن يُسأل، فإذا لم يكن عنده علم فإنه يتوقف حيران أو يجيب بالخطأ فيحصل بذلك شرٌ وفتنة.
الأمر الثاني: لا بد أن يكون عنده لسان، أي: لغة يخاطب بها القوم، ويوصل المعلومات إليهم؛ لقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:٤] وإلا كيف يبين لهم دعوته وما يدعوهم إليه وهم لا يعرفون لغته؟! وكيف يجيبهم على الإشكالات وهو لا يعرف لغتهم؟ فهذان أمران لا بد منهما: العلم واللسان.
وينبغي للداعية أن يبدأ بالأهم فالأهم، فليبدأ أولاً بالدعوة إلى التوحيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذاً إلى اليمن: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ولأن التوحيد هو الأصل الذي تبنى عليه الشرائع، فلابد أن يكون الأساس والأول قبل كل شيء، ثم بعد ذلك بالصلاة، ثم بعد ذلك بالزكاة، ثم بالصوم ثم بالحج.
هكذا ترتيب الدعوة، وأما أن تهمل الدعوة إلى التوحيد فهذا لا شك أنه نقص، وبعض الناس يتراءى له أنه إذا دعا إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال أولاً من لين الجانب والعطف والإحسان وما أشبه ذلك؛ يظن أن هذا أدعى لقبول الإسلام، لكن هذا وإن كانت وجهة نظر، لكنها لم تدل عليها السنة؛ لأنك إذا بدأتهم بهذا قبل كل شيء ظنوا أن هذا هو الأساس وصاروا لا يهمهم أن ينقصوا في التوحيد أو في الصلاة، وما أشبه ذلك إذا قاموا بمحاسن الأخلاق والأعمال والآداب.
فعلى كال حال هؤلاء القوم الذين ذكرت، موقفنا معهم أن نرشدهم إلى ما ينبغي أن تكون عليه الدعوة، وأن نشجعهم إلى الذهاب لدعوة الناس بالحق، وألا يكون موقفنا معهم موقف المتفرج؛ لأنه موقف سلبي، أو موقف الشامت؛ لأنه موقف عدائي، فهم إخواننا ويظهر لنا من نيتهم الخير والسعي في إصلاح الخلق، لكن ليس إذا فسدت الطريق نجعل ذلك فساداً للنية والعمل من الأصل، بل المؤمن الناصح يشجع على الخير ويوجه إلى الطرق السليمة.
ولا شك أن تأثير هؤلاء الإخوة الذين تشير إليهم كبير، وأن الله فتح على أيديهم من الخير ما لم يفتحه على دعاة آخرين؛ لأنهم يقابلون الناس باللين واللطف والإحسان والمروءة والخدمة لكن طريقتهم تحتاج إلى تعديل في الواقع، لذلك أرى أن يكون موقفنا نحن من هؤلاء وغيرهم ممن يظهر لنا منهم قصد الإصلاح، أن يكون موقفنا منهم موقف المصلح المقوم المشجع؛ لأننا ما علمنا أحداً يصبر صبرهم على إيذاء الناس لهم، ولا صبرهم على السفر إلى بلاد قريبة أو بعيدة، ولا صبرهم على تحمل النفقات، ولهذا نسمع أنهم لا يقبلون من أحد شيئاً يتبرع به لهم من أجل دعوتهم.
كذلك ننصح إخواننا هؤلاء ألا يسافروا إلى المجتمع الذي يكون في باكستان؛ لأننا سمعنا عنهم أشياء كثيرة، فلا ينبغي السير إليهم ويوجد عندهم من أهل الخير كفاية يهتدون بهم ويدلونهم على الخير، وأما السفر إلى هنالك فأخشى أن يكون فيه شيء من البدعة.
وأما مسألة الخروج في سبيل الله وجعل هذا من الجهاد فيقال: أما الجهاد الذي هو قتال الأعداء فليس هذا هو الجهاد الذي هو قتال الأعداء، لكنه نوع من الجهاد؛ لأن طلب العلم والدعوة إلى الله عز وجل بما أعطاك من العلم نوع من الجهاد، قال الله تعالى: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} [الفرقان:٥٢] يعني: بالقرآن، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:٧٣] ومعلوم أن جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم للمنافقين ليس جهاد قتال، بل لما استؤذن في أن يقتل من يقتل من المنافقين، قال: (لا.
لكي لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) فتبين من هذا أن جهاده للمنافقين جهاد بالعلم؛ ولأن الله تعالى جعل التفرغ للعلم قسيم الخروج للجهاد، قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:١٢٢] أي: وبقيت طائفة: {لِيَتَفَقَّهُوا} [التوبة:١٢٢] أي: الطائفة الباقية: {فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:١٢٢] هذا موقفنا من هؤلاء، نسأل الله لهم التوفيق وأن يدلهم على ما فيه الخير.