فضيلة الشيخ: هل يجوز لمن أراد أن ينكر المنكرات أن ينكرها على المنابر، وهل هذا هو منهج أهل السنة والجماعة؟
أما المنكرات إذا شاعت فلابد أن تنكر على المنابر، لكن لا يتكلم بالأشخاص أنفسهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينكر على قوم قال: ما بال قوم يقولون كذا وكذا.
وأما إذا كان المنكر قليلاً في الناس فلا ينبغي أن ينكر على المنابر؛ لأن إنكاره على المنابر معناه إشاعته بين الناس، كما يقول العوام:(والذي ما دري يدري) فإذا شاعت هذه الفعلة المنكرة بين الناس أنكرها على المنابر حتى يفهم الناس، لكن لا تفعل شيئاً يوجب أن يثور الناس على ولاة الأمور وأن يكرهوهم وينبذوهم؛ لأن خطر هذا عظيم، قد يتراءى للناس أو يريه الشيطان أنه إذا فعل ذلك كان فيه ضغط على الولاة بأن يستقيموا على دين الله، ولكن الأمر ليس كذلك، هذا إذا كانت القوى متقابلة، فقد يكون هناك ضغط، كالبلاد -غير السعودية - تجد أن الولاة إنما يصلون إلى المناصب عن طريق الانتخاب، فهذا ربما يكون إعلان ما يفعله الحاكم من السوء ضغطاً عليه بحيث يستقيم حتى يرشح مرة ثانية، لكن بلاد تكون فيها القوة مع السلطة لا يستقيم به هذا الأمر إطلاقاً.
وليس من الحكمة أن يثير الإنسان الرعية على رعاتها حتى تكرههم ولا تنقاد لأمرهم، أو ترى أنهم لا يستحقون أن يكونوا ولاة، مع العلم بأننا إذا نظرنا إلى من حولنا وجدنا أننا والحمد لله بخير، فبلادنا ولله الحمد يعلن فيها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان فيه شيء من الضعف لكن لا يوجد أي بلاد غير بلادنا فيها هيئة تسمى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كذلك أيضاً المحاكم كلها مبنية على الشرع، ماذا قال صاحب الإقناع، ماذا قال صاحب المغني، ماذا قال صاحب المجموع للنووي، ماذا قال فلان، ماذا قال فلان، لا يرجعون إلى قوانين وضعية، إنما إلى الكتاب والسنة وما استنبط منها في كتب أهل العلم، هذه نعمة عظيمة، ومن أراد الكمال في مثل هذا الزمن فليكمل نفسه أولاً قبل أن يحاول تكملة غيره، هل الشعب الآن مثلاً هل هو مكمل نفسه؟ لا.
الشعوب فيها انحراف كثير، فيها كذب وغش في المعاملات، سوء أخلاق، استماع إلى الأغاني وغير ذلك، يوجد في الشعب من هذا حاله، فإذا كنا كذلك فلا ينبغي أن نريد من ولاة الأمور أن يكونوا على مستوى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
وذكر: أن رجلاً من الخوارج جاء مرة إلى علي بن أبي طالب وقال له: يا علي ما بال الناس اختلفوا عليك -أظنكم تعرفون ما جرى لـ علي من الفتن وخروج الخوارج عليه وغير ذلك- ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر؟ فقال له كلمة أفحمت الخارجي قال له:[رجال أبي بكر وعمر أنا وأمثالي، ورجالي أنت وأمثالك] فألقم حجراً، وهذا صحيح.
فالحاصل: أن المنكرات إذا شاعت بين الناس فلابد من إنكارها، لكن دون أن يحصل بذلك فتنة، أو تعرض لأحد، أو إيغار الصدور على ولاة الأمور، أما إذا كانت يفعلها واحد من بين مائة نفر مثلاً، أو ألف نفر فهنا نختص بهذا الرجل وننهاه ونخوفه من الله عز وجل؛ لأنك إذا أنكرت المنكر على المنابر وهو لا يفعله إلا قلة من الناس معناه: أنك أشعته بين الناس.