الذي أرى أنها خلاف السنة؛ لأنها ليست على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أنصح الخلق للخلق، وأحرصهم على إبلاغ الحق، ولم نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وعظ على القبر قائماً فيتكلم كما يتكلم الخطيب أبداً، إنما وقع منه كلمات، مثل: ما وقع منه حين انتهوا إلى القبر ولما يلحد، فجلس عليه الصلاة والسلام وجلس الناس حوله، فجعل ينكُتُ بمخصرة معه بالأرض ويحدثهم ماذا يكون عند الموت.
وهذه ليست خطبة، ما قام خطيباً في الناس يعظهم ويتكلم معهم أبداً.
ثانياً: حينما كان قائماً على شفير القبر قال صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة أو النار، فقالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له) .
وأما أن يُتَّخَذ هذا عادة، كلما دُفِن ميتٌ قام أحد الناس خطيباً يتكلم، فهذا ليس من عادة السلف إطلاقاً، وليُرْجَع إلى السنة في هذا الشيء، وأخشى أن يكون هذا من التنطُّع؛ لأن المقام في الحقيقة مقام خشوع وسكون وليس مقام إثارة العواطف، ومواضع الخطبة هي المنابر والمساجد كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل هذا، ولا يمكن أن نستدل بالأخص على الأعم.
فلو قال قائل: سنجعل حديث علي حينما وقف على شفير القبر، وكذلك الحديث الآخر حينما جلس ينتظر أن يلحد القبر وتحدث إليهم، لو قال قائل: نريد أن نجعله أصلاً في هذه المسألة.
قلنا: لا صحة لذلك؛ لأنه لو كان أصلاً في هذه المسألة لاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فلما تركه كان تركه هو السنة.