[نصيحة لاستغلال الإجازة الصيفية]
فضيلة الشيخ: أريد توجيه الشباب في هذه العطلة وإسداء النصيحة خاصة للإخوة المدرسين في هذه الإجازة، هل الأفضل لهم أن يسافروا لنصرة إخوانهم في المشرق والمغرب من إعانات ونحوها؟ أو الأفضل لهم الانضمام للمراكز العلمية الصيفية لحفظ الشباب؟ أو الذهاب إلى العلماء والاستفادة من الدروس العلمية التي توجد في كل مكان، ثم نصيحة للذين يضيعون أوقاتهم في غير هذه الأمور الثلاثة؟
أولاً: أنا لا أرى أن نسمي هذه الإجازة عطلة؛ لأنه ليس في أيام الإنسان المسلم المؤمن عطلة، بل ولا غير المؤمن، كلٌ يعمل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:٦] نعم هي عطلة من الدراسة النظامية لكن لو سميت بدلاً من العطلة إجازة فهذا جيد.
ثانياً: بالنسبة لما سألت: هل الأفضل للأساتذة أن يذهبوا يميناً وشمالاً ليساعدوا إخوانهم أو يتفرغوا لطلب العلم، أو لتوجيه الشباب، أو للدعوة إلى الله؟ فهذه تختلف باختلاف الناس وباختلاف الحاجات، فالرجل الذي هو وعاء علم حفظاً وفهماً وإدراكاً نقول له: الأفضل أن تبقى في طلب العلم؛ لأن طلب العلم كما قال الإمام أحمد: لا يعدله شيء، فهو أفضل من الجهاد في سبيل الله إذا لم يتعين الجهاد؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:١٢٢] أي: وبقي طائفة، (لِيَتَفَقَّهُوا) أي: الطائفة الباقية، {فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:١٢٢] فجعل الله سبحانه وتعالى البقاء للتفقه في الدين معادلاً للخروج للجهاد في سبيل الله وهو أفضل منه؛ لأن الجهاد يُحتاج إليه في بعض الأوقات دون بعض، والناس محتاجون للعلم في كل شئون الحياة: في العبادات، والأخلاق، والمعاملات.
أما الجهاد في سبيل الله فالناس محتاجون إليه إما للدفاع عن دينهم وأوطانهم الإسلامية، وإما لأن تكون كلمة الله هي العليا؛ لأن الجهاد إما دفاع وإما هجوم، لكنه في جانب خاص من الحياة، وأما العلم فهو في جميع الجوانب، قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صلحت نيته.
أما الرجل الذي ليس وعاءً للعلم ولو جلس في الحلقات لا يفهم ولا يدرك شيئاً لكنه بصير بأحوال الجهاد قوي البدن قوي العزيمة، فالأفضل أن يخرج ويجاهد، وأما رجل ثالث لا يقوى على هذا ولا على هذا لكنه عنده إقناع وأسلوب في الدعوة والموعظة؛ يجلب القلوب ببيانه وموعظته، ويرقق القلوب ويدمع العيون، فنقول لهذا: تجوَّل وادع الناس في البلاد؛ لأن بلادنا محتاجة إلى طلبة علم ودعاة ليفقهوا الناس ويعلموهم، فإن كثيراً من أطراف البلاد -كما بلغنا- عندهم جهل كثير وهم يحتاجون إلى طلبة علم يعلمونهم.
فلقد سافر بعض الطلبة في الإجازة الربيعية إلى جهة الجنوب، ففرح الناس بذلك فرحاً عظيماً -بهؤلاء الطلبة- وصاروا يلاحقونهم في كل مكان، يتلقون منهم ويأخذون منهم، هذا وهم طلبة، فكيف إذا ذهب من هو أعلى منهم شأناً؟ سيكون له فائدة كبيرة بلا شك.
أما بالنسبة للشباب فإني أنصح الشباب أن يحرصوا على حفظ أوقاتهم وألا يتعودوا على الكسل والخمول، وأن يلزموا أهل الخير الذين يوجهونهم توجيهاً سليماً ويحفظون عليهم دينهم وأخلاقهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك، إما أن يحذيك أو يبيعك أو تجد منه ريحاً طيباً، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة) ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) .
فنصيحتي للشباب أن يحرصوا على أن يصطحبوا أهل الخير وأهل العقول وأهل التأني والتروي، وليحذروا من قرناء السوء، فإن قرناء السوء كالنار تحرق الثوب شيئاً فشيئاً حتى تأتي إلى الجسد فتأكله، وعليهم أن يلتحقوا بالمراكز الصيفية التي يقوم عليها رجال مأمنون ديناً وخلقاً وفكراً وتوجيهاً، أو يلتحقوا بحلقات تحفيظ القرآن لعلهم في هذه الإجازة يحفظون شيئاً من كتاب الله، فإن أفضل كتاب وأحق كتاب بالعناية هو كتاب الله عز وجل، ونسأل الله للجميع التوفيق، وأن يجعلنا ممن حفظ أوقاته فيما يرضي الله عز وجل.