ثم قال:{وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى}[النازعات:٣٦] أعاذنا الله وإياكم منها، (وبرزت) أظهرت، تجيء وتقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام معه سبعون ألف ملك يقودونها، إذا ألقي فيها الظالمون في مكان ضيق مقرنين، {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً}[الفرقان:١٣] وتأتي جهنم وتبدو -والعياذ بالله- لمن يرى ويبصر فتنخلع القلوب ويشيب المولود، ولهذا قال:{فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:٣٧-٣٩] هذان الوصفان هما وصفان لأهل النار، الطغيان وهو: مجاوزة الحد، وإيثار الدنيا على الآخرة بتقديمها على الآخرة وكونها أكبر هم للإنسان، فإذا قال قائل: ما هو الطغيان؟ قلنا: الطغيان مجاوزة الحد كما ذكرناه آنفاً، وحد الإنسان مذكور في قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦] فمن جاوز حده ولم يعبد الله فهذا هو الطاغي؛ فأنت مخلوق لعبادة الله لا لتأكل وتتمتع وتتنعم كما تتمتع الأنعام، فاعبد الله عز وجل فإن لم تفعل فقد طغيت، وهذا هو الطغيان.
وقوله:{وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[النازعات:٣٨] هما متلازمتان، فإن الطاغي عن عبادة الله مؤثر للحياة الدنيا؛ لأنه يتعلل بها عن طاعة الله، ويتلهى بها عن طاعة الله، إذا أذن الفجر آثر النوم على الصلاة، إذا قيل له: اذكر الله آثر اللهو على ذكر الله وهكذا، وقوله:{فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:٣٩] أي: هي مأواه، والمأوى هو: المرجع والمقر، وبئس المقر مقر جهنم أعاذنا الله وإياكم منها.