فضيلة الشيخ! حدث أن والدي من قبل سبع سنوات تغير تغيراً كلياً في معاملته مع والدتي، ومعي، ومع إخواني، تغير في سلوكه ومعاملته، علماً أن هذا التحول من مدة طويلة تزيد عن ست سنوات، ولم يحدث هذا إلا بعد زواجه من امرأة أخرى، وثبت يقيناً أنه مسحور، لما يُرى على حاله من دلائل السحر ومن علاماته، فما رأي سماحتكم في حل هذه المشكلة المحيرة التي حولت البيت إلى جحيم لا يطاق؟ وهل من طريقة أو توجيه لهذا الرجل؟ جزاكم الله خيراً.
الحمد لله رب العالمين، هذا السؤال يستحق العناية، وهو أن بعض الناس يتزوج امرأة جديدة على امرأة أولى، فيحبها، ثم يكون معها وينسى الأولى، وهذا لا شك أنه من كبائر الذنوب: أن يميل الإنسان مع إحدى زوجتيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) وهذا وعيد شديد؛ لأن الخلائق جميعها تشهد على عقوبته، هذا أمر عظيم جداً، فالميل مع إحدى النساء -أي: مع إحدى الزوجات- من كبائر الذنوب، إلا شيئاً لا تملكه من المحبة وما يكون ناشئاً عنها، فهذا لا يستطيع الإنسان أن يسيطر عليه، ولهذا قال تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}[النساء:١٢٩] .
وأما ما ذكره أنه يمكن أن يكون سحراً فهذا مع الأسف انتشر في كثير من الناس اليوم: مسألة السحر، مسألة النفس، مسألة الجن، وهذا خطأ؛ لأن الإنسان إذا شعر هذا الشعور هلعت نفسه وضعفت، واستولى عليه الشيطان، وصارت الأفكار كلها تدور حول هذا الشيء، حتى يصبح الخيال حقيقة، لكن لو أن الإنسان اعتمد على الله عز وجل وتوكل على الله حق التوكل وصار قوياً بالله فإنه لا يهمه، ويعرض عن هذا كله، ويعتقد أن هذه الأمور تعرض للإنسان بدون هذه الأسباب.
يعرض للإنسان ضيق في الصدر، يعرض للإنسان خوف زائد، ويعرض للإنسان أشياء كثيرة حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة، أو أكثر من سبعين مرة) .
فنصيحتي لإخواني: ألا ينساقوا وراء هذه الأوهام والتخيلات، نحن لا ننكر أن الجن تمس الإنسان كما قال تعالى:{لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة:٢٧٥] وهذه في المرابين، وكما جاءت السنة بذلك، لكن ليس معناه أن كل ما أصابنا يكون من مس الجن، حتى لو أصابنا زكام قلنا: هذا جني تلبس بنا، هذا خطأ، الواجب أن الإنسان يكون عنده قوة وتوكل على الله، ثم يستعمل الأوراد الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كقراءة آية الكرسي في الليل، وكذلك قراءة سورة البقرة في البيت وما أشبه ذلك، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم كلما أحس هذه الأمور حتى تزول عنه.
كذلك -أيضاً- النفس نحن لا ننكر أن النفس لها تأثير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(العين حق ولو سبق القدر شيء لسبقته العين) لكن ليس كل ما يصاب به الإنسان يكون عيناً، إلا أنه إذا توهم الشيء فإنه مع كثرة التوهم والتخيل يكون حقيقة؛ ولهذا ننصح إخواننا المسلمين أن يكون عندهم اعتماد تام، وتوكل على الله عز وجل حتى تزول عنهم هذه الأوهام، وبالتالي أنصح هذا الرجل الذي تحدث عنه السائل بأن يتقي الله عز وجل، وأن يحاول ما استطاع العدل بين زوجتيه، والرجوع إلى أولاده بالحنو، والشفقة، والتأديب، والتوجيه، وألا يبتعد عنهم؛ لأنهم قطعة منه.
وأما العلاج والتداوي أخشى أني أوصي بالعلاج والتداوي معناه أني أقررته على ما توهم، قد لا يكون هذا سحراً، أما إذا كان مسحوراً كما جزم به السائل؛ فعليه أن يعالج نفسه بالقراءة والأذكار، أو يذهب إلى المعالجين لهذه الأمور ممن يوثق بدينهم وعقيدتهم.