[توجيهات ونصائح لطلاب العلم]
نحن أبناؤكم من منطقة الحدود الشمالية من مدينة رفحة جئنا لننهل من بحر علمكم الزاخر، ونحن في بداية طلبنا للعلم، فهل يا شيخنا أحسن الله إليكم من وصايا جامعة نافعة في هذا المجال والله يحفظكم؟
أولاً: نهنئكم على هذه الهمة العالية، وهي سلوك الطريق لطلب العلم، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) هذا أمر.
ثانياً: أبشروا بالخير ما دام أن هذه النية موجودة واثبتوا على طلب العلم، وكرسوا جهودكم واجعلوا أكبر همكم ما جئتم له من طلب العلم، ولا تلتفتوا إلى غيره، لأن العلم كما قال بعضهم: إن أعطيته كلك -يعني: جعلت نفسك كلك للعلم- أعطاك بعضه، وإن أعطيته بعضك حرمت منه.
فالعلم يحتاج إلى جهد وتعاهد وصبر؛ لأنه جهاد في سبيل الله، بل طلب العلم أفضل من الجهاد في سبيل الله؛ لأن طلاب العلم كل الأمة تحتاج إليهم، الكافرة والمسلمة، والجهاد لا نحتاج إليه إلا لرد الأعداء.
ثم احرصوا على البدء بالكتب المختصرة احفظوها بعد حفظ كتاب الله عز وجل، مثلاً: احفظ الكتاب أولاً، ثم انظر للسنة تخير الأحاديث الصحيحة منها فاحفظها، وهنا شيء (لقمة سائغة) على ما يقولون عمدة الأحكام لـ عبد الغني المقدسي رحمه الله، جاهزة، جمع فيها ما يحتاجه غالب الناس إليه من الأحكام مما في الصحيحين، احفظوها.
وأخيراً: طبقوا العلم بالعمل، لا تكن نسخة كتاب، بل كن متأثراً بعلمك في عبادتك وفي أخلاقك وفي معاملتك للناس، لا يكون أكبر همك أن تجمع وتحوش العلم فقط، العلم المراد به العمل، ومن عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم.
كذلك أوصيكم: ألا يكون همكم وشغلكم الشاغل ما فتن به بعض الشباب الآن في مسألة التكفير: هل هذا كافر أو مسلم؟ هل هذا الحاكم كافر أو مسلم؟ وإذا حصل أي اختلاف بين الشباب قال: هذا اتركوه هذا مبتدع، هذا إخواني هذا تبليغي، هذا سلفي، وما أشبه ذلك.
الدين الإسلامي يأمر أهله بالاتحاد، وأن يكونوا على شريعة الله، قال الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣] وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:١٠٥] وقال الله تبارك وتعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه} [الشورى:١٣] وقال الله لنبيه مؤكداً: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:١٥٩] لا يكن همكم أن تقولوا: العالم الفلاني أيش فيه! العالم الفلاني أيش فيه! لا، دعوا هذا، اتجهوا لطلب العلم والعمل به ودعوا الناس.
العلماء ما منهم أحد معصوم، كل يخطئ ويصيب، فمن أخطأ لم نقبل خطأه، ومن أصاب قبلنا صوابه لا لأنه فلان بن فلان ولكن للصواب، ألم تعلموا أن الله تبارك وتعالى قبل قول المشركين وهم مشركون؟ بلى، قال الله عز وجل: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:٢٨] هذه حجة {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف:٢٨] هذه حجة ثانية، ماذا قال الله؟ {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف:٢٨] أبطل هذه الحجة لأنها غير صحيحة، وسكت عن قولهم: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:٢٨] لأنها صحيحة، قبلها الله مع أنها من قول المشركين.
ألم تعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الشيطان لـ أبي هريرة: ألا أدلك على آية من كتاب الله إذا قرأتها لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، قال له أبو هريرة: بلى.
قال: آية الكرسي، فلما أخبر أبو هريرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: (صدقك وهو كذوب) وهو الشيطان صدقه الرسول عليه الصلاة والسلام لكنه احترز عليه الصلاة والسلام قال: (صدقك وهو كذوب) أي: احذره، لا تقل: صدقني في هذا وأصدقه في كل شيء، لا، صدقك وهو كذوب.
ألم تعلموا أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: يا محمد! إننا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع.
وذكر بقية الحديث، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقاً لقول الحق أقره على هذا، ثم أيد هذا بقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧] يهودي قال الحق فقبل، مشركون قالوا الحق فقبلوا، الشيطان قال الحق فقبل.
يا أخي! لا تجعل ديدنك وهمك ما تقول في فلان؟! ما تقول في فلاناً؟! كفر فلاناً! بدع فلاناً! فسق فلان! ما ينفع هذا، من المؤسف أن هذه اليقظة الإسلامية في الشباب والحمد لله ونسأل الله أن يثبتهم ضربت بهذه الفتنة والعار، تفرق الشباب لأجل العالم الفلاني والعالم الفلاني، مالنا وللعلماء! العالم إن كان ميتاً قد قدم على ربه والله تولاه، وإن كان حياً فالحق مقبول من أي إنسان والباطل مرفوض من أي إنسان، وبارك الله فيكم يا أهل رفحة، وما ندري البرد الذي جاءنا هذا جاء معكم أو هو من قبل؟ أجب جزاك الله خيراً أجبتك فأجبني؟ السائل: لا.
الشيخ: أنا أدري هو من عند الله عز وجل، لكن الله حكيم، ذكر العلماء: أن في الجو أشياء لا يقتلها إلا البرد القارس، سبحان الله! وهذا شيء مشاهد، البعوض يقل مع البرد حتى الذباب يقل مع البرد ويموت، وفي أشياء سبحان الله! لا تموت إلا مع الحر الساخن جداً والله على كل شيء قدير، وهو عز وجل حكيم.
أسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يحب ويرضى، وأنا أسمح لكم عن الحضور في الأسبوع القادم، يمكن يصل لكم شغل الظاهر، ما لكم شغل، كل يوم الإنسان في شغل الواقع، لكن نرجو المعذرة إن شاء الله الأسبوع الذي وراءه من أجل أن نكمل الكلام على الحج.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.