للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير معنى إرادة الله]

فضيلة الشيخ! هل الإرادة تكون بمعنى المحبة في قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:١٦] ؟

قال العلماء: إرادة الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين: إرادة بمعنى: المحبة، وإرادة بمعنى: المشيئة.

القسم الأول: الإرادة بمعنى: المحبة: وهي لا تكون إلا فيما يحبه الله عز وجل، مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء:٢٧] فيريد بمعنى: يحب، وليست بمعنى المشيئة؛ لأنها لو كانت بمعنى المشيئة لتاب الله على كل أحد؛ لكنها بمعنى المحبة، فهو يريد أن يتوب علينا، وهذا حثٌّ لنا على التوبة؛ لأن الله يحب التوابين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لَلَّهُ أشَدُّ فرحاً بتوبة عبده من أحدكم بناقته كان عليها طعامه وشرابه، وكان في أرض فلاة -ليس حوله أحد- فأضلَّ الناقة، وضاعت فطلبها، فلم يجدها، فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت، فبينما هو كذلك إذا بخطام ناقته متعلقاً في الشجرة، فأخذ بخطامها، وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) ، فقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء:٢٧] : أي يحب.

القسم الثاني: الإرادة بمعنى: المشيئة: وهي الإرادة الكونية بمعنى: المشيئة، فهذه لا تتعلق بما يحبه فقط، بل تكون فيما يحبه وفيما لا يحبه، وذلك بمعنى: المشيئة، ومنها هذه الآية: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:١٦] أي: لِمَا يشاء، كما قال تعالى في آية أخرى: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧] .

وبناءً على ذلك لو قال لنا قائل: هل أراد الله المعاصي للناس؟! بمعنى: هل المعاصي التي هي من أعمال الناس من الكفر والفسوق والفجور، هل هي مُرادة لله، وهل أرادها الله؟! إن قلتُ: لا، فقد أخطأتُ.

وإن قلتُ: نعم، فقد أخطأتُ.

إذاً: لا بد من التفصيل! نقول: أما بالإرادة الكونية فقد أرادها، ولا يَخْرُج في مُلْكه شيء عن إرادته.

وإن أردتَ الإرادةَ الشرعية فإن الله لَمْ يُرِدْ ذلك؛ لَمْ يُرِدْ من العباد أن يكفروا ويفسقوا ويفجروا، بل هو يريد منهم أن يَصْلُحوا، ولكن حكمته عز وجل جعلت الناس ينقسمون إلى مؤمن وكافر.