للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل)

يقول الله تبارك وتعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد:٢٢-٢٤] (يبخلون) أي: يمنعون ما يجب عليهم بذله من مال وجاه وعلم.

مثال الأول: الذي يبخل بالزكاة وهي أعظم وأوجب ما ينكر، والإنفاق على من تجب نفقته من الأقارب والزوجات.

ومثال الثاني: أن يجد الإنسان شخصاً مسلماً واقعاً في مظلمة يتطلب المقام أن يشفع فيها ليرفع عن هذا الظلم ولكنه يبخل بجاهه.

ومثال الثالث: وهو البخل بعلمه، أن يمتنع من تعليم الناس مما علمه الله عز وجل، وأن يبخل بالجواب والفتيا إذا استفتي عن مسألة دينية وتعين عليه أن يفتي بها، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (البخيل من إذا ذكرت عنده ولم يصلِ علي) اللهم صل وسلم عليه، وهذا نوع من البخل؛ لأنه بخل بما يجب عليه إذ أن القول الراجح: إنه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجب على من سمعه أن يصلي عليه، بدليل الحديث الذي في السنن أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (رغم أنف امرئٍ ذكرت عنده فلم يصل عليك قل: آمين، فقال: آمين) .

قال تعالى: {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد:٢٤] (يأمرون) أي: يقول هؤلاء للرجل: لا تنفق من مالك فإن مالك ينقص، لا تتعب نفسك في الشفاعة لفلان، لا تتعب نفسك في تعليم العلم، هؤلاء أمروهم بالبخل فصاروا -والعياذ بالله- فاسدين مفسدين.

قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَوَلَّ} [الحديد:٢٤] أي: يعرض عن طاعة الله {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد:٢٤] من يتول فإن الله ليس بحاجة إليه، فهو عز وجل غني بذاته عن جميع مخلوقاته، وهو (الحميد) أي: المحمود على غناه؛ لأنه ليس كل غني يكون محموداً، فالغني البخيل لا يُحمد، لكن الله عز وجل غني حميد يحمد على غناه؛ لأنه عز وجل واسع كثير العطاء.

وفي هذه الآية دليل على أن الإنسان الذي يتولى عن طاعة الله إنما يضر نفسه ولا يضر الله شيئاً، فإن الله غني، وفي الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً) .