تفسير قوله تعالى:(أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون)
ثم قال:{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً}[الطور:٤٢] أي: أيريد هؤلاء أن يكيدوا لك يا محمد بإبطال دعوتك وإهلاكك وإماتتك؟
نعم، ولكن كيدهم ليس بشيءٍ بالنسبة إلى كيد الله عز وجل، قال الله تعالى:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال:٣٠] وقد كادوا له أعظم كيد، فإنهم اجتمعوا ماذا يصنعون بمحمد، لما رأوا دعوته انتشرت وأنه لا قبل لهم بردها، اجتمعوا وتشاوروا وذكروا ثلاثة آراء: الحبس والقتل والإخراج.
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} أي: يحبسوك، {أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ}[الأنفال:٣٠] استقر رأيهم على القتل، لكن من يستطيع أن يقتله؛ لأن بني هاشم سوف يطالبون بدمه، قالوا: يجتمع عشرة شبان من قبائل متفرقة من العرب، ويعطى كل واحدٍ منهم سيفاً صارماً ويضربون محمداً ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل، فتعجز بنو هاشم عن المطالبة بدمه، ففعلوا ذلك ولكنهم مكروا ومكر الله والله خير الماكرين، أنجاه الله منهم، ثم أذن له أن يهاجر فهاجر إلى المدينة.
{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ}[الطور:٤٢] الجملة هنا جملة اسمية، معرفٌ طرفاها، مفصولة بضمير الفصل، مما يدل على التوكيد والحصر، يعني: فالكيد لمن؟ للذين كفروا.
وهنا سؤال يقول:{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ}[الطور:٤٢] لم يقل: أم يريدون كيداً فهم المكيدون، فماذا يسمى هذا الأسلوب عند علماء البلاغة؟ يسمى الإظهار في موضع الإضمار، معناه: بدل أن يقال: فهم المكيدون، قال الله تعالى:((فالذين كفروا)) ولهذا فائدة بل أكثر، إذا قال: فالذين كفروا معناه: أن هؤلاء كفار، إذا قال:(الذين كفروا) معناه: أن من كان كافراً فإنه هو المكيد وإن كان غير هؤلاء، فهاتان فائدتان معنويتان.
الفائدة الثالثة: تنبيه المخاطب؛ لأن الكلام إذا كان على نسقٍ واحد ربما ينسجم الإنسان ويغفل، لكن إذا جاء شيء يخرج الكلام عن النسق انتبه.