[أنواع محظورات الإحرام]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والتسعون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس، وهذا اليوم هو السابع والعشرون من شهر ذي القعدة عام (١٤١٥هـ) .
يكون الكلام في هذا اللقاء على محظورات الإحرام، ومحظورات الإحرام: هي الأشياء التي تحرم بسبب الإحرام، لأن كل عبادة لها محرمات، الصلاة مثلاً يحرم فيها الكلام، الصيام يحرم فيه الأكل والشرب، الحج له محظورات -أي: محرمات بسببه- فمحظورات الإحرام هي الممنوعات بسبب الإحرام.
فنبدأ أولاً بما ذكر الله عز وجل: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:١٩٧] هذه ثلاثة أشياء كلها تجتنب في الحج، لكن الأول خاص بالحج بعض العبادات، والثاني والثالث عام، فالفسوق منهي عنه دائماً لكنه يتأكد في الحج، والجدال الذي يقصد به المماراة والمغالبة منهي عنه في كل وقت، وفي كل حال، فما هو الرفث؟ الرفث هو الجماع، هذا هو الأصل، كما قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:١٨٧] أي: فلا جماع في الحج، والجماع هو أعظم محظورات الإحرام، وإذا جامع الإنسان قبل التحلل الأول في الحج ترتب على جماعه خمسة أشياء: الأول: الإثم.
الثاني: فساد النسك.
الثالث: وجوب إكماله.
الرابع: وجوب القضاء من العام المقبل.
الخامس: بدنة يذبحها ويتصدق بجميعها على الفقراء.
هذا ما يترتب على الجماع قبل التحلل الأول.
وما الذي يتعلق بهذا المحظور؟ يتعلق به المباشرة، والنظر بشهوة، وعقد النكاح، وخطبة النكاح، كلها تتعلق بهذا؛ لأنها مقدمات للجماع، ولهذا يحرم على المحرم أن يباشر زوجته لشهوة، بتقبيل أو غيره، وكذلك يحرم عليه تكرار النظر لشهوة، ويحرم عليه أيضاً عقد النكاح فلا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب، ويحرم عليه الخطبة -أي: أن يخطب امرأة- وهو محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَنْكَحْ المحرم ولا يُنْكِحْ ولا يخطب) .
ومن محظورات الإحرام التي في القرآن: حلق شعر الرأس؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:١٩٦] فلا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه حتى يحل، وألحق العلماء رحمهم الله بشعر الرأس شعر بقية البدن كالشارب والعانة والإبط، وزاد بعضهم: الظفر، قالوا: لا يحل للمحرم أن يقلم أظفاره.
فنعود الآن ننظر ما حصر من المحظورات: الجماع، المباشرة بشهوة، النظر لشهوة ولا سيما مع التكرار، الخامس: عقد النكاح، السادس: الخطبة، والسابع: حلق شعر الرأس، ويلحق به بقية شعر البدن.
والثامن: تقليم الأظفار.
هذه موجودة في القرآن نصاً في الجماع وفي حلق شعر الرأس، وإلحاقاً بما نص عليه أو بالقياس أو لكونه من مقدمات هذا المحظور الذي نص عليه.
ومن محظورات الإحرام: قتل الصيد وهو منصوص عليه في القرآن؛ لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:٩٥] أي: محرمون.
ومن محظورات الإحرام أيضاً: ما بينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئل: ما يلبس المحرم؟ قال: (لا يلبس القميص ولا السراويل ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف) هذه خمسة أشياء لا تلبس.
القميص: هو هذا الدرع الذي نلبسه كلباسنا الآن، وأما السراويل فمعروفة أيضاً: ما يلبس بدلاً عن الإزار، وأما العمائم: فهي ما يلف على الرأس، وأما البرانس: فهي ثياب واسعة فضفاضة كما يقولون ولها غطاء على الرأس متصل بها، وأكثر من يلبس ذلك المغاربة، وأما الخفاف فهي (الكنادر) فهذه خمسة أشياء نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم أن المحرم لا يلبسها.
هل يلحق بها غيرها؟ نقول: نعم يلحق بها ما كان مثلها أو أولى منها، فالقميص مثلاً يلحق به الفنيلة الكوت، والسراويل يلحق بها السراويل القصيرة الكمين: وهي ما يعرف بالسراويل الفخذية، وأما العمائم فيلحق بها الغترة والطاقية؛ لأنها لباس الرأس كالعمامة، وأما البرانس فيلحق بها المشارف؛ لأنها أقرب ما تكون، وهذه الأشياء الخمسة التي نص عليها الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا يلبس) وبناءً على ذلك: لو أن الإنسان تلفلف بالقميص بدون لبس فلا حرج؛ لأنه لم يلبسه، ولو أنه خاط إزاراً خياطة فلا حرج؛ لأنه لا يعدو أن يكون إزاراً حتى وإن خيط.
ويبقى أن نسأل: هل يلبس الجوارب؟ يعني: الشراب
لا، لأنها بمعنى الخفين، هل يلبس ساعة اليد؟ الجواب: نعم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: لا يلبس كذا، علمنا منه أنه يلبس ما سواه.
طيب! هل يلبس نظارة العين؟ نعم؛ لأنها لا تدخل فيما نص عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وليست فيما نهى.
هل يلبس سماعة الأذن؟ نعم.
هل يلبس الخاتم؟ نعم.
هل يلبس الكمر؟ نعم، المهم يلبس كل ما سوى المذكور في الحديث أو ما كان بمعناه.
ومن محظورات الإحرام: الطيب، والدليل على أنه من محظورات الإحرام: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة: (اغسلوه بماء وسدر ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) والحنوط: الطيب الذي يجعل في الميت، وهو يدل على أن جميع أنواع الطيب لا تحل للمحرم، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) وعلى هذا فيحرم على المحرم استعمال الطيب في بدنه، واستعمال الطيب في إحرامه، وكذلك استعمال الطيب في فراشه، فلا ينام على فراش فيه طيب، وكذلك استعمال الطيب في أكله وشربه، فلا يشرب قهوة فيها زعفران ما دامت رائحته موجودة.
ويدخل أيضاً استعمال الطيب في تغسيله فبعض الصابون فيه طيب يظهر على الإنسان إذا غسل به فهذا لا يستعمل، أما الطيب الذي ليس له إلا رائحة طيبة منعشة ولكنها ليست طيباً فلا بأس بذلك، ولهذا نقول للمحرم: لك أن تأكل التوت والنعناع وما أشبهها مع أنه ذو رائحة طيبة ذكية.
ومن محظورات الإحرام: تغطية الرأس بأي غطاء كان؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تخمروا رأسه) أي: لا تغطوه، سواء كان في منديل أو غترة أو طاقية أو غيرها، لكن قال العلماء رحمهم الله: يجوز للمحرم أن يحمل عفشه على رأسه، لأن هذا لم تجد عادته للستر به، ويجوز أن يتظلل بالخيمة، وكذلك على القول الراجح: يجوز أن يتظلل بالشمسية، وبالسيارة المسقفة، وما أشبه ذلك، لأن هذا ليس تغطية وإنما هو استظلال، والممنوع هو تغطية الرأس.
ومن محظورات الإحرام: لبس القفازين على الرجل والمرأة، فالمرأة لا تلبس القفازين وكذلك الرجل، ولا تنتقب، أي: لا تلبس نقاباً على وجهها، ولكن إذا كان حولها رجالٌ من غير محارمها وجب عليها أن تغطي وجهها؛ لأنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها لغير المحارم أو الزوج.