يا شيخ! بالنسبة لرجل دخل المسجد فوجد الصف تقريباً اكتمل، فليس عليه أن ينشئ صفاً جديداً حتى يجتهد، وهل من الاجتهاد إذا وجد فرجة أن يدخل منها ويصف عن يمين الإمام أو من جهة الباب الذي يكون في المنبر، أم أنه ينشئ الصف؟
إذا وجد الصف تاماً فإنه يصلي وحده ولا حرج عليه، ولا حاجة إلى أن يصف مع الإمام، حتى الصف مع الإمام قد نقول: إنه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى معه أحدٌ في إمامته إلا حين جاء ووجد أبا بكر يصلي بالناس وهو مريض عليه الصلاة والسلام مريض، ثم جاء ووقف عن يسار أبي بكر وجعل يصلي بالناس وأبو بكر يبلغ عنه، وإلا فلم يرد.
وأيضاً الإمام يجب أن يكون إماماً خاصاً بمكانه، ثم إننا إذا قلنا: اخترق الصف وقف مع الإمام، فإن اختراق الصف يؤذي، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل الذي كان يخترق الصفوف يوم الجمعة قال:(اجلس فقد آذيت) ثم إذا قلنا: نتحمل هذا وصف مع الإمام، وجاء آخر بعد أن دخل هذا مع الإمام ووجد الصف تاماً وقلنا: اذهب صف مع الإمام.
فذهب مع الإمام، صاروا ثلاثة بالإمام، فجاء آخر ووجد الصف تاماً قلنا: تقدم وصف مع الإمام، ربما يكتمل الصف الأول كله مع الإمام، لكن لو أنه دخل في الصلاة في مكانه ثم جاء الثاني والثالث والرابع لكوّنوا صفاً متأخراً.
فالذي نرى: أنه يصلي وحده لتعذر وجود مكان مناسب.
ثم إني أقول: أتدرون خلاف العلماء في هذه المسألة؟ كل المذاهب الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة كلهم يرون جواز الصلاة خلف الصف بدون عذر، والإمام أحمد عنه في ذلك روايتان: رواية: أنه يصح أن يصلي خلف الصف بدون عذر، فتكون مذاهب الأمة الإسلامية على الرواية الثانية مع الإمام أحمد كلها على صحة الصلاة بلا عذر، ليس في المسألة إجماع، ولا الأكثر أيضاً.
لكن الحق أحق أن يتبع، الحديث يدل: على أن من صلى خلف الصف بدون عذر فعليه الإعادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة.
أما إذا تعذر أن يقوم في الصف فإن جميع الواجبات تسقط بالعذر، وهذا إما أن نقول: صل وحدك منفرداً تبعاً لإمامك، أو انصرف ولا تصلي فأيهما أحسن؟ أن يصلي معه منفرداً خير من أن ينصرف ولا يصلي.
فالصواب الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله، وشيخنا عبد الرحمن السعدي: أنه إذا كان الصف كاملاً فلك أن تصلي وحدك خلف الصف.