[كيفية الجمع بين حديثي: (لا عدوى ولا طيرة) و (فر من المجذوم)]
فضيلة الشيخ! كيف نوفق بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) وبين قوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ؟
إي نعم، أولاً: يجب بارك الله فيكم! أن تأخذوا قاعدة مهمة وهي: (أنه لا يمكن التناقض في القرآن أبداً) وإذا مر بك آيتان تظن أنهما متناقضتان فاعلم أن ذلك إما لقصور فهمك، أو لقصور علمك، فتوقَّف ولا تحكم بالتناقض حتى تسأل العلماء، هذا بالنسبة للتناقض.
وكذلك أيضاً صحيح السنة لا يمكن أن يتناقض حديثان عن الرسول عليه الصلاة والسلام أبداً، فإذا مر بك ما تظن أنه متناقض فإنما ذلك لقصور فهمك وقصور علمك وعليك أن تتريث حتى تسأل من هو أعلم منك.
وبين القرآن والسنة الصحيحة أيضاً لا يمكن التناقض؛ لأنه كله حق، والحق لا يتناقض.
هذه القواعد الثلاث اعرفوها تماماً.
فنقول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) يدل بظاهره على أن المجذوم قد يعدي، وهو كذلك، فالجذام مرض معدٍ، وهناك أمراض كثيرة معروفة بأنها تعدي، فصاحب المرض المعدي لا تجالسه، اتركه، ولهذا قال العلماء: يجب على ولي الأمر أن يحصر الجذماء -الذين أصيبوا بالجذام- في مكان خاص لا يتصل الناس بهم ولا يتصلون بالناس، خوفاً من العدوى.
لكن قول الرسول: (لا عدوى ولا طيرة) هذا نفي لما كانوا يعتقدونه في الجاهلية من أن العدوى لابد أن تكون، وأنها فاعلة على كل حال، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (لا عدوى ولا طيرة) أورد عليه أعرابيٌّ إشكالاً فقال: (يا رسول الله! الإبل تكون في الرمل كالظباء -يعني: ليس فيها أي شيء- فيخالطها الأجرب فتجرب -وهذه ماذا؟ هذه عدوى- فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: مَن أعدى الأول؟) معناها مَن الذي جعل الجرب في الأول بدون أن يخالط الجرباء؟ إنه الله، فالذي نقل العدوى من هذا المريض إلى الصحيح هو الله عز وجل وليس هي العدوى نفسها.
فالنفي: لتأثير العدوى بنفسها.
والإثبات: لإثبات أن العدوى من الله عز وجل.
ولهذا جاء في الحديث: (لا يورد مُمْرِض على مُصِحٍّ) وهذه أعم، يعني: أن من له إبل مريضة أو غنم مريضة فلا يوردها على الصحيحة؛ لأن ذلك من أسباب انتقال المرض إلى الصحيح، فهمتَ الآن؟ النفي معناه: يعني: العدوى لا تؤثر بنفسها كما يعتقده أهل الجاهلية.
والأمر بالفرار من المجذوم وكذلك كل مريض مرضه معدٍ من باب توقي الأسباب الضارة.