للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم بيع المحرمات]

شاب قد هداه الله سبحانه وتعالى وعند أبيه بقالة، وهذه البقالة تحتوي على بعض المنكرات كبيع دخان وصور، وقد قام بالنصح لأبيه، ولكن أباه يحتج ويقول: ما دامت الحكومة أدخلت هذا، والناس يبيعون هذا، هذا ليس فيه شيء، وأبوه كبير في السن، وطبيعة الحال أن بعض كبار السن لا يتقبلون النصح من أولادهم إلا قليلاً، ما توجيهكم بارك الله فيكم؟

أولاً: نهنئ هذا الشاب الذي هداه الله فالتزم؛ لأن أكبر نعمة يمن الله بها على العبد أن يهديه ويوفقه لالتزامه شريعة الله، فإن هذا خيرٌ له من كل نعيم الدنيا.

ثانياً: نوجه النصيحة لأبيه، ولا سيما وهو في آخر عمره أن يتقي الله عز وجل، وأن يخشاه ويعلم أن رزق الله لا يجلب بالمعاصي، وأن الرزق الذي يأتي بالمعصية رزق لا خير فيه ولا بركة، بل إنه وبالٌ على صاحبه، وقد جاءت السنة بالتحذير الشديد من الكسب الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:٥١] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:١٧٢] ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!!) .

هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأنى يستجاب له) (أنى) هنا استفهام بمعنى: الاستبعاد، أي: يبعد أن الله عز وجل يستجيب لهذا الرجل الذي يأكل الحرام، وكذلك جاء في حديث ابن مسعود: (من اكتسب مالاً -أي: حراماً- فإنه إن تصدق به فلن يقبل منه، وإن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن خلفه كان زاده إلى النار) .

وأرجو من أخينا الشيخ الكبير أبي هذا الملتزم أن يقبل منا هذه النصيحة وهذه الهدية، فإننا لم نسقها له إلا من أجل مصلحته ومصلحة أولاده من بعده.

أما بالنسبة للشاب الذي يأمره أبوه أن يتولى البيع في هذه البقالة التي فيها ما هو محرم، فإني أقول له: لا تطع أباك في هذا، اجلس في البقالة وبع الشيء المباح ولا تبع الشيء المحرم؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأما قول أبيك لك: إن هذا شيء لا بأس به؛ لأن الحكومة قد أذنت فيه وسمحت به، فإني أقول: أولاً: العبرة بما في الكتاب والسنة، لا بعمل الحكومة ولا بعمل الناس؛ لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩] إن تنازعتم حتى مع أولي الأمر {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:٥٩] ، وهذه الحجة لا تنفعه يوم القيامة عند الله؛ لأن الله يقول: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:٦٥] ولا تنفع غيرهم في الدنيا عند العقلاء من الناس المؤمنين بالله؛ لأن كل مؤمن لا يمكن أن يقبل عمل الناس أو عمل ولاة الأمور حجةً على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا حجة لأبيه في هذا.

ويُخشَى أن يكون من يحتج بعمل الحكومة مشابهاً لمن قال الله فيهم: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:١٦٦-١٦٧] ، وخلاصة الجواب أربعة أشياء: أولاً: تهنئة هذا الذي مَنَّ الله عليه بالالتزام.

ثانياً: نصيحة الأب بترك هذا العمل المحرم.

ثالثاً: أن الابن إذا أمره أن يبقى في هذا المكان في هذا الدكان فإنه يبيع الحلال ولا يبيع الحرام.

رابعاً: أن المرجع في الأحكام الشرعية ليس إلى إقرار الحكومة أو عدم إقرارها، أو عمل الناس أو عدم عملهم، وإنما المرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.