للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وأهديك إلى ربك فتخشى)]

قال تعالى: {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى} [النازعات:١٩-٢٠] أي: فذهب موسى عليه الصلاة والسلام وقال لفرعون ما أمره الله به: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات:١٨-١٩] ولما كان البشر لا يؤمنون ولا يقبلون دعوى شخص أنه رسول إلا بآية كما هو ظاهر الإنسان، لا يقبل من أحد دعوى إلا ببينة، جعل الله سبحانه وتعالى مع كل رسولٍ آية تدل على صدقه، وهنا قال: {فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى} [النازعات:٢٠] أي: أرى موسى فرعون الآية الكبرى، فما هي هذه الآية؟ هي: عصا خشب من فروع الشجر، كان إذا وضعها في الأرض صارت حية تسعى، ثم يحملها فتعود عصا، وهذه من آيات الله، أن شيئاً جماداً إذا وضع على الأرض صار حية تسعى، وإذا حمل من الأرض عاد في الحال إلى حاله الأولى، وهي عصا من جملة العصي {فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى} [النازعات:٢٠] وإنما بعثه الله بهذه الآية وبكونه يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، أي: من غير عيب، أي: بيضاء بياضاً ليس ببياض البرص ولكنه بياضٌ جعله الله آية، إنما بعثه الله بذلك -بالعصا واليد- لأنه كان في زمن موسى السحر منتشراً شائعاً، فأرسله الله عز وجل بشيءٍ يشبه السحر ولكنه ليس بسحر حقيقة، من أجل أن يغلب السحرة الذين تصدوا له عليه الصلاة والسلام.

قال أهل العلم: وفي عهد عيسى صلى الله عليه وسلم انتشر الطب انتشاراً عظيماً فجاء عيسى بأمرٍ يعجز الأطباء وهو أنه كان لا يمسح أي ذي عاهة إلا برئ، إذا جيء إليه بشخص فيه عاهة -أي عاهة تكون- مسحه بيده فيبرأ بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص مع أن البرص لا دواء له، لكن هو يبرئ الأبرص بإذن الله عز وجل ويبرئ الأكمه الذي خلق بلا عيون.

أشد من هذا أنه يحيي بإذن الله، يؤتى إليه بالميت فيتكلم معه ثم تعود إليه الحياة، وأشد من ذلك وأعظم أنه يخرج الموتى بإذن الله، يخرجهم من أي مكان من قبورهم، يقف على القبر وينادي صاحب القبر فيخرج من القبر حياً، هذا شيء لا يمكن لأي طب أن يبلغه، ولهذا كانت آية عيسى في هذا الوقت مناسبة تماماً لما كان عليه الناس.

قال أهل العلم: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أتى إلى العرب وهم يتفاخرون في الفصاحة ويرون أن الفصاحة أعظم منقبة للإنسان، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن العظيم، الذي أعجز أمراء الفصاحة وعجزوا عن أن يأتوا بمثله، قال الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:٨٨] أي: ولو كان بعضهم يعاون بعضاً فإنهم لن يأتوا بمثله.

نعود فنقول: إن موسى صلى الله عليه وسلم أرى فرعون الآية الكبرى ولكن هل انتفع بالآيات؟ لا.

{وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:١٠١] {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس:١١] فالذين ليس في قلوبهم استعداد للهداية لا يهتدون ولو جاءت كل آية -والعياذ بالله- ولهذا قال: {فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى} [النازعات:٢٠-٢١] كذب الخبر وعصى الأمر، وقال لموسى: إنك لست رسولاً، بل قال: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء:٢٧] وعصى الأمر فلم يمتثل أمر موسى ولم ينقد لشرعه.