[حكم تخصيص العمرة في شهر رجب]
ما حكم تخصيص العمرة في شهر رجب؟ وهل البدع أكبر الكبائر؟
هذان سؤالان جعلا في غلاف واحد، وهو من ذكاء هذا السائل؛ لأننا في هذا المقام لا نقبل إلا سؤالاً واحداً أيهما أحب إليك الأول أم الثاني؟ السائل: الأول.
الشيخ: رجب أحد الأشهر الأربعة الحرم، فهل تعرفها؟ السائل: ذو القعدة ذو الحجة محرم رجب.
الشيخ: هذه أربعة أشهر حرم ورجب منها بلا شك، والله حرم القتال فيها، أما الثلاثة: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، فلأنها أشهر الحج، القعدة للقادمين إلى مكة، والحجة للذين في مكة، ومحرم للراجعين من مكة، جعل الله هذه الأشهر الحرم يحرم فيها القتال، حتى يأمن الناس الذين يأتون إلى الحج، وشهر رجب كان أهل الجاهلية يعظمونه ويعتمرون فيه فجعله الله محرماً، واختلف السلف رحمهم الله: هل العمرة فيه سنة أم لا؟ فقال بعضهم: إنها سنة، وقال آخرون: لا، لأنها لو كانت سنة لبينها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إما بقول وإما بفعل.
والعمرة في أشهر الحج أفضل من العمرة في رجب، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر في أشهر الحج ولما ذكر ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر في رجب) وهَّمته عائشة، وقالت: [[لقد وهم أبو عبد الرحمن]] قالت له ذلك وهو يسمع فسكت، فعلى كل حال: لا أرى دليلاً واضحاً على استحباب العمرة في رجب.
كذلك أيضاً يوجد في رجب بعض الناس يخصه بالصوم يقول: إنه يسن الصيام فيه، وهذا غلط، فإفراده بالصوم مكروه، أما صومه مع شعبان ورمضان فهذا لا بأس به، وفعله بعض السلف، ولكن مع ذلك نرى أن لا يصوم الثلاثة الأشهر، أي: رجب وشعبان ورمضان.
وأما ما يسمى بصلاة الرغائب: وهي ألف ركعة في أول ليلة من رجب أو في أول ليلة جمعة منه، فأيضاً لا صحة لها وليست مشروعة، وأما العتيرة التي تذبح في رجب فهي أيضاً منسوخة، كانت أولاً مشروعة ثم نسخت وليست مشروعة، وأما الإسراء والمعراج الذي اشتهر عند كثير من الناس أو أكثرهم أنه في رجب وفي ليلة سبع وعشرين منه فهذا لا صحة له إطلاقاً، وأظهر الأقوال: أن الإسراء والمعراج كان في ربيع الأول، ثم إن إقامة الاحتفالات ليلة سبع وعشرين من رجب بدعة لا أصل لها.
والبدع أمرها عظيم جداً وأمرها شديد؛ لأن البدع الدينية التي يتقرب بها الناس إلى الله فيها مفاسد عظيمة، منها: أولاً: أن الله لم يأذن بها، وقد أنكر على الذين يتبعون من شرعوا بلا إذن، فقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:٢١] .
ثانياً: أنها خارجة عن هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وإياكم ومحدثات الأمور) .
ثالثاً: أنها تقتضي إما جهل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه بهذه البدعة، وإما عدم عملهم بها، وكلا الأمرين خطأ.
إن قلت: إن الرسول علم عنها مشكلة، وإن قلت: علم ولكن لم يعمل ولم يبلغ مشكلة أيضاً.
رابعاً: أنها تستلزم عدم صحة قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:٣] لأنك إذا أتيت بشيء جديد يعني: أن الدين في الأول ناقص لم يكمل، وهذا خطير جداً أن نقول: هذه البدعة تقتضي أن الدين لم يكمل.
خامساً: أن هؤلاء المبتدعين جعلوا أنفسهم بمنزلة الرسل الذين يشرعون للناس، وهذه أيضاً مسألة خطيرة، ولو تأملت لوجدت أكثر من هذه الخمس في مضار البدع ولو لم يكن منها إلا أن القلوب تتعلق بهذه البدع أكثر مما تتعلق بالسنة، كما هو مشاهد، حيث تجد هؤلاء الذين يعتنون بهذه البدع ويحرصون عليها لو فكرت في حال كثير منهم لوجدت عنده فتوراً في الأمور المشروعة المتيقنة، فهو ربما يبتدع هذه البدعة وهو حليق اللحية، مسبل الثياب، شارب للدخان، مقصر في صلاة الجماعة.
يقول بعض السلف: ما ابتدع قوم بدعة إلا تركوا من السنة مثلها أو أشد.
حتى إن بعض العلماء قال: المبتدع لا توبة له.
لأنه سن سنة يمشي الناس عليها إلى يوم القيامة أو إلى ما شاء الله، بخلاف المعاصي الخاصة، فهي خاصة بفاعلها وإذا تاب ارتفعت لكن المشكلة البدعة، حيث لو تاب الإنسان من البدعة فالذين يتبعونه فيها لم يتوبوا، فلذلك قال بعض العلماء: إنه لا توبة لمبتدع، لكن الصحيح أن له توبة، وإذا تاب توبة نصوحاً تاب الله عليه، ثم يسأل الله أن تمحى هذه البدعة ممن اتبعوه فيها.