[تفسير قوله تعالى: (الرحمن الرحيم)]
قال تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣] هذه صفة للفظ الجلالة, وهو ما يسمى عند النحويين بالنعت, (الرَّحْمَنِ) أي: ذو الرحمة الواسعة الشاملة لكل شيء, كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:١٥٦] وهذه الرحمة العامة تشمل حتى الكافر, فإنه يعيش برحمة الله, ولولا أن الله يرحمه ما وجد غذاءً ولا شراباً ولا كسوة ولا سكناً ولكنه يعيش برحمة الله في هذه الأشياء, إلا أنها رحمة لا تفيده في الآخرة؛ لأنها رحمة قاصرة في الدنيا فقط.
(الرَّحِيمِ) أي: ذو الرحمة الخاصة التي تصل إلى المرحوم, وهذا لا يكون إلا للمؤمنين؛ لقول الله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:٤٣] ولهذا قال بعض العلماء: الرحمن عامة والرحيم خاصة, وفي الإتيان بـ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بعد قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) دليل على أن هذه الربوبية ربوبية رحمة, ليست ربوبية انتقام أو غضب؛ بل هي ربوبية رحمة وأن كل ما صدر من الله عز وجل فإنه رحمة, حتى النقم التي تصيب الناس هي في الحقيقة رحمة, كيف هي رحمة، المرض رحمة؟! نعم هو رحمة, لكن لا يعرف أنه رحمة إلا من تدبر وتأمل: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:٤٣] المرض بالنسبة للمؤمن يكفر الله به سيئاته, (ما يصيب المؤمن من همٍ ولا غمٍ ولا أذى إلا كفر الله بها عنه) وهذه رحمة، لأن ما يصيبك في الدنيا زائل ولا يبقى، ولا بد أن يزول, ودوام الحال من المحال, ويذكر عن بعض العابدات أنها أصيبت في إصبعها وأنها لم تتأثر, وقالت: (حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها) كلمة عظيمة, إذاً هذا المرض الذي أصابك رحمة, ثم إن المرض قد يكون سبباً لرجوع الإنسان إلى ربه إذا كان فاراً من الله, وقد يكون سبباً لاهتداء العاصي ورجوعه إلى ربه.
ولقد حدثت قريباً عن شخص كان مسرفاً على نفسه فاسقاً بعيداً من الله, فمات أبوه وبمجرد موت أبيه أصيب بهذه المصيبة عاد إلى الله واستقام, وصار من خيار الشباب, فانظر إلى هذه المصيبة كيف أصلحت هذا.
إذاً نقول: كل ما في الكون وما يقدره الله فيه فهو ناتج عن رحمة, وقرينة ذلك أن الله لما قال: (َبِّ الْعَالَمِينَ) قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فليست بغيته مبنية على جبروت وإحراج وإعسار على العباد ولكنها مبنية على الرحمة.