للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فقربه إليهم قال ألا تأكلون)]

قال تعالى: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:٢٧] .

(قربه إليهم) أي: لم يجعله بعيداً ويقول: قوموا إلى طعامكم، بل خدمهم حتى جعله بين أيديهم، قربه إليهم قال: ألا تأكلون؟ ولم يقل: كلوا، وإنما عرض عليهم عرضاً؛ لأن هذا أبلغ في الإكرام، انتبهوا لهذا والعرض أخف وألطف من الأمر، إذ أنه لو قال: كلوا كان يحتمل أنه أراد أن يستعلي عليهم ويوجه الأمر إليهم، لكن {قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:٢٧] تعرفون الفرق بين العبارتين في الرفق، أيهما أرق وأرفق؟ ألا تأكلون، هل الآن قرب الطعام إليهم، هل نقول: إن السنة والأفضل أن الإنسان إذا دعا ضيوفاً أو أتاه ضيوف أن يقربه إليهم في مجلس الجلوس؟ أو نقول هذا يختلف باختلاف الأحوال؟ الثاني هو الأفضل؛ لأن عموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) يدل على أنك تكرمهم بما جرت به العادة في إكرامهم به، عندنا الآن إذا عزمت أصحابك وأصدقاءك وهم قلة فلا يعدون تقديم الطعام -مثلاً- في المجلس إهانة؛ لأنهم إخوانك وأصدقاءك، الأدب بينكم متسامح فيه، لكن لو نزل بك ضيف أو دعوت ضيفاً ليس بينك وبينه الصلة التي يسقط بها كما يقال الأدب، فإنه في عرفنا الآن ليس من إكرامه أن تقدم الطعام في محل الجلوس اللهم إلا لضرورة إذا لم يكن عندك مكان، الآن الإكرام أن تجعل الطعام في مكان ثم إذا أردت أن يأكلوا تقول: تفضلوا، ألا تتفضلون أو نغير المجلس، أو ما أشبه ذلك من الكلمات المتداولة، فالمهم أن قوله تبارك وتعالى عن إبراهيم: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:٢٧] .

ينبغي أن يجعل هذا حسب عادة الناس، إذا كان من الإكرام أن تأتي بالطعام إلى محل جلوسهم فأت به، وإذا كان من الإكرام أن تجعله في مكان آخر فافعل، دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) .