القول الراجح من أقوال العلماء: أن حلي المرأة المستعمل والمعد والمتخذ للحاجة متى احتاجت باعت منه وأنفقت والمعد للأجرة كل ذلك تجب فيه الزكاة؛ لعموم الأدلة، بل لخصوص الأدلة في ذلك، فإنه في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:(أن امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب -يعني: سوارين- فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ فقالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ -يعني: إن لم تخرجي الزكاة- فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقالت: هما لله ورسوله) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: أخرجه الثلاثة وإسناده قوي.
والحافظ ابن حجر لا أحد يجهل منزلته في علم الحديث، وقال الشيخ ابن باز في هذا الحديث: إن إسناده صحيح، وهو مؤيد بالعموم كما في حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم:(ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار) إلى آخر الحديث.
والمرأة التي عندها حلي من الذهب هي صاحبة ذهب، فمقتضى هذا الإطلاق والعموم دخولها في هذا الوعيد، وأما من قال: إنه لا زكاة في ذلك، وأن هذا كالثياب إذا أعد للاستعمال فلا زكاة فيه، فهذا يسميه العلماء القياس في مقابلة النص، والقياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار، لا يؤخذ به، وأما ما استدلوا به من أثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ليس في الحلي زكاة) فهذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم هو لا يصح من حيث المعنى؛ لأن بعض الحلي فيه زكاة بالاتفاق.
فالصواب: أن الواجب على المرأة أن تخرج زكاة حليها إذا بلغ النصاب كل سنة تقومه وتخرج ربع العشر -أي:(٢.
٥%) - ثم إن كان عندها مال أخرجت من ماله، وإن لم يكن عندها وأخرج عنها زوجها أو أحدٌ من أقاربها فلا بأس، وإن لم يكن ذلك باعت من الحلي بقدر الزكاة وأخرجت الزكاة.
قد يقول قائل: إذا ألزمناها بأن تبيع من الحلي ينفد الحلي ولا يبقى عندها شيء، فالجواب على ذلك من وجهين: الوجه الأول: أن الحلي إذا نقص عن النصاب ولو شعيرة فليس فيه زكاة (خمسة وثمانون جراماً) هذا هو النصاب، و (أربعة وثمانون جراماً) لا زكاة فيها، الحمد لله يكفيها أربعة وثمانون جراماً.
ثانياً: لنقول: ولينفذ كل المال فأي فرق بين الحلي وبين الدراهم، إذا كان عند الإنسان دراهم وقلنا: أخرج زكاتها كل سنة وصارت الزكاة تنقصها تنقصها تنقصها، حتى لو فرضنا ذهبت الدراهم كلها أي فرق بين هذا وهذا؟ ثم إننا نبشر المرأة التي تخرج زكاتها أنه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:(ما نقص صدقة من مال) وأن الله تعالى ربما ينزل لها البركة في هذا الحلي، فيمنعه من الآفات والضياع، وإلا فقد تبتلى المرأة بضياع حليها أو سرقته أو تعيره لأحدٍ وينكر أو ما أشبه ذلك.
ثم إذا أدت الصدقات عن هذا الحلي فإنه سيكون ظلاً لها يوم القيامة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) فالحمد لله هي غانمة وليست بغارمة، هي قد أبرأت ذمتها بيقين إذا أدت الزكاة وأصبحت مستريحة.