[الجمع بين قوله تعالى في الحديث القدسي:(يؤذيني ابن آدم: يسب الدهر) ، وقوله تعالى:(في أيام نحسات)]
يقول النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى:(يؤذيني ابن آدم يسب الدهر) فما حكم مدح الدهر؟ وما تفسير قول الله تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}[فصلت:١٦] ؟
قوله تعالى في الحديث القدسي:(يؤذيني ابن آدم يسب الدهر) أي: يسب الزمن -الوقت- الليل والنهار، وسب الليل والنهار سب لله عز وجل؛ لأنه هو سبحانه وتعالى هو المدبر لما يكون في الليل والنهار، ولهذا قال تعالى في الحديث نفسه:(وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) ، أما مدح الدهر باعتبار أن الإنسان يثني على ربه بذلك لا على الأيام والليالي فلا بأس، فهذا طيب، يقول: هذه الأيام مثلاً أيام سرور، وأيام أمن ورخاء ولله الحمد، فهي أيام مباركة، وما أشبه ذلك هذا لا بأس به، وأما أن يثني على الدهر ناسياً خالقه عز وجل وهو الله، فهذا لا يجوز؛ لأن الثناء على السبب -مع التغافل عن المسبب في الحقيقة- غضٌ وانتقاص للمسبب وهو الله عز وجل.
وأما قوله تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}[فصلت:١٦] فالذي ذم هذه الأيام هو الله عز وجل وله أن يثني على ما شاء من خلقه، وأن يعيب ما شاء من خلقه لكن قل لي: ما الجواب عن قوله تعالى عن لوط: {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}[هود:٧٧] فالجواب عنه يقال: إن لوطاً عليه الصلاة والسلام، لم يرد به القدح في هذا اليوم، إنما أراد الخبر عن هذا اليوم بأنه عصيب ويفرق في الأشياء بين القصد وعدم القصد، أرأيت لو جاء شخص يسأل مريضاً فجعل المريض يخبر هذا الرجل مجرد خبر فقط، وجاء آخر يسأل مريضاً آخر فجعل المريض يخبره يتشكى إليه، فالأول عمله جائز والثاني عمله مذموم، إذ كيف يشكو الخالق إلى المخلوق، وقد قيل:
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم