استدل بعض أهل العلم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تصوموا يوم السبت إلا في المكتوب عليكم) على أن الصيام يوم السبت لا يجوز سواء مفرداً أم مجمعاً مع غيره، فما صحة هذا القول؟
هذا القول ليس بصحيح، أولاً: أن هذا الحديث ضعفه كثيرٌ من العلماء، قال الإمام مالك فيما نقله عنه أبو داود، قال: إنه كذب، والإمام مالك رحمه الله منزلته في الحديث معلومة فهو من أئمة الحديث وحفاظ الحديث، قال: إنه كذب، وأبو داود ثقة.
القول الثاني: أنه شاذ فيكون ضعيفاً، يعني: لا نقول كذب لكنه ضعيف، والشاذ لا يعمل به، ووجه شذوذه: أنه مخالف لما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لإحدى أمهات المؤمنين وقد وجدها صائمة يوم الجمعة قال: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا.
قال: فأفطري) فقوله: (أتصومين غداً) يدل على جواز صيام يوم السبت، وهذا يعارض الحديث الذي أشار إليه السائل، حيث قال:(لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة أو عود عنب فليمضغه) لأن مقتضى هذا الحديث أنه لا يصام مع الجمعة، مقتضى الحديث هو النهي، والحديث الصحيح صريح بأنه يجوز صيامه مع يوم الجمعة، فيكون شاذاً؛ لأن الشاذ مخالفة الثقة للثقات، والشاذ لا يجوز العمل به.
القول الثالث: أنه منسوخ، وهذا يعني: أن الحديث صحيح لكنه منسوخ، لكن هذا القول يحتاج إلى معرفة التاريخ: هل هذا النهي قبل الأذن أم بعده؟ ولا علم لنا بذلك، ومن المعلوم أنه لا بد من العلم بتأخر الناس إذا قلنا: إنه منسوخ، وحينئذٍ فأحسن ما يقال فيه: إنه إن أفرده لأنه يوم السبت فهذا منهي عنه وإلا فلا، على أنه ورد في السنن من حديث أم سلمة:(أن أكثر ما كان يصوم الرسول عليه الصلاة والسلام يوم السبت ويوم الأحد) مع أنهما عيدان للكفار والعيد من المعروف أن من شعائره ألا يصام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومهما مخالفة لليهود والنصارى، ذكره أهل العلم في معارضة هذا الحديث الضعيف الذي فيه النهي عن صوم يوم السبت.
فالحاصل: أننا لو تحملنا كثيراً وقلنا بقبول هذا الحديث وهو النهي عن صوم يوم السبت، فإننا لا نقبله إلا بشرط أن يكون الذي صامه من أجل أنه يوم السبت، وبناءً على ذلك لو صادف يوم السبت يوم عرفة وصامه وحده فليس في ذلك بأس؛ لأنه إنما صامه لأنه يوم عرفة لا لأنه يوم السبت، كذلك لو صادف يوم السبت العاشر من محرم، فإنه يصومه، لكن ينبغي أن يصوم يوماً قبله ويوماً بعده مخالفة لليهود الذين يصومون اليوم العاشر فقط.
كذلك لو صادف عادته كالذي يصوم يوماً ويفطر يوماً، وصادف يوم جمعة وصومه يوم السبت وفطره يوم الأحد، هذا لا بأس به أيضاً؛ لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت لكنه صامه لأنه صادف عادته.
خذها بارك الله فيك وبثها في قومك، فإن كثيراً من الناس اغتر بكلام بعض المعاصرين في هذا الحديث.