[الرد على من يقول: دينكم هذا دين خامس]
الاستهزاء على نوعين: أحدهما: الاستهزاء الصريح الذي نزلت الآية فيه، وهو قولهم: ما رأينا مثل قرآئنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء أو نحو ذلك من أقول المستهزئين، كقول بعضهم: دينكم هذا دين خامس، وقول الآخر: دينكم أخرق، وقول الآخر إذا رأى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر: جاءكم أهل الدين.
من باب السخرية بهم وما أشبه ذلك، مما لا يحصى إلا بكلفة مما هو أعظم من قول من نزلت فيهم الآية؟
لهؤلاء الذين يقولون: الدين الخامس يمكن بعضهم يعبر بهذا المذهب الخامس؛ لأنه يقول: أنتم الوهابية، المذاهب أربعة، الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، وأنتم مذهب خامس، يعني: للتعبير بالدين الخامس هذا لا يعبر به إلا العوام؛ لأنه ليس ديناً مستقلاً، لكن مذهب -على زعمهم- مستقل وهذا كذب، هذا إنما أذاعه أعداء الدعوة إلى التوحيد تشويهاً له، قالوا: محمد عبد الوهاب أتى بمذهب خامس خرج عن إجماع الأمة؛ لأنهم يعتقدون أن ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة فهو إجماع، وهم أخطئوا، محمد عبد الوهاب رحمه الله مذهبه حنبلي وكتبه في العقيدة والتوحيد والفقه كلها مبنية على أصول الإمام أحمد رحمه الله.
ولم يأتِ بمذهب خامس، ولكن أنت تعرف أن الأعداء يشوهون الدعوة والداعي، أعداء الرسل ماذا قالوا؟ قالوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصافات:١٥] فطعنوا في الدعوة، وقالوا في الداعي: إنه {سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:٤] فطعنوا في الداعي.
كذلك هؤلاء طعنوا فيما يدعو إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من التوحيد، وشوهوا السمعة لسببين: السبب الأول: تنفير العوام من التمسك به.
السبب الثاني: استساغة حرب هذا الرجل ومن أخذ بطريقته، أنه أتى ببدع من مذاهب المسلمين فاستحق أن يحارب ويقاتل، وكل هذا كذب على محمد بن عبد الوهاب.
على كل حال، حتى الساخرين بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر -أيضاً- قد يتوقف الإنسان في كونه كفراً؛ لأن الإنسان ربما يسخر بالآمر دون الأمر، وبالناهي دون النهي، وأضرب لكم مثلاً: لو جاء إنسان من العلماء المعتبرين هنا في البلاد، ونهاك عن شيء، وجاء إنسان آخر من الذين لا يعرفون ونهاك، هل تكون قيمة النهي من الرجلين سواء؟ لا.
تحترم الأول، والثاني ربما لا تحترمه ليس أنك لم تحترم المنكر لكن لأنك لا تأبه بهذا الناهي ولا تأخذ عنه.
الآن يأتينا طالب علم صغير يرفع ثوبه إلى نصف الساق، وتجد بعض العوام يسخرون به ويرونه أخطأ، ويأتي إنسان من العلماء المعتبرين الموثوق بهم يجعل ثوبه إلى نصف الساق هل يسخرون به؟ لا.
إذاً ليست السخرية بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في زمننا كالسخرية بمحمد وأصحابه، بينهما فرق عظيم؛ لأن محمداً عليه الصلاة والسلام معصوم، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في زمننا غير معصومين، لكن الذي يسخر بالمعروف نفسه، هذا الذي يكون كافراً، أما بالآمر به فلا يمكن أن نطلق عليه الكفر؛ لأنه قد يسخر بالرجل دون ما دعى إليه، وهذه مسألة يجب أن نتفطن لها، وأن نعلم الفرق بين السخرية بالرسول وأصحابه، والسخرية بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هنا.
فيقال للساخر: هل أنت تسخر بالمعروف الذي أمروا به كما لو أمروك بالصلاة مع الجماعة وقلت: ما هذا؟ هذا تأخر، هذا تقهقر، يريدون أن نرجع إلى العصور الوسطى وما أشبه ذلك، فهذا كفر، أم أنه يسخر بالرجل نفسه؟ فالرجل نفسه قد يكون الإنسان غير قابل له، والله أعلم.