[مسألة المجاز في القرآن]
أولاً يا شيخ! إني أحبك في الله، ولا أدري هل هذا من السنة أم لا! ولكن بعد أن قلتَ عن السلام أنه ليس من السنة يَجب أن أحذر.
الشيخ: لا.
جزاك الله خيراً، لا مانع من هذا، والحذر من الخطأ شيءٌ طيب؛ لكن هذا قد ورد عن الرسول حيث قال لـ معاذ بن جبل: (يا معاذ! إني أحبك، فلا تَدَعَنَّ أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك) .
وأنا أجيبك فأقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه.
السائل: يا شيخ! المجاز في القرآن فيه خلاف بين أهل العلم، والمسألة كما هو معلوم أن هناك بعض الآيات تحتاج إلى تفسير فعلاً، فإذا كان لا مجاز في القرآن! فأريد توضيح المسألة!
الذين قالوا بالمجاز أو عدم المجاز يتفقون غالباً على المعنى، فمثلاً قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:٢٤] فكلهم متفقون على أن الذل ليس طائراً له جناح، أليس كذلك؟! السائل: بلى.
الشيخ: إذاً: بقي لنا أن نعرف هل الجملة أو هذا التركيب مستعمل في اللغة العربية، وأن جَناح كل شيء بحسبه؟! فحينئذٍ يحصل الخلاف.
فالذين يقولون بالمجاز يقولون: ليس هناك جناح إلا للطير، فإذا استعمل الجناح لغير الطير فهو مجاز.
والذين يقولون: جناح كل شيء بحسبه يقولون: الترفع مثلاً على الناس والتعالِّي عليهم يعتبر أن صاحب الترفع والتعالي طار وارتفع، وهذا هو جناح العلو والاستكبار.
فالله عزَّ وجلَّ يقول: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} [الإسراء:٢٤] يعني: تذلَّل لهما للغاية، حتى لو كنت تريد أن تتثقف، فتقول مثلاً: أنا عندي شهادة بكالوريوس، وأبي هذا لا يعرف الخاء من الطاء فلا تترفع عليه: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:٢٤] .
إذاً: اتفقا على المعنى؛ لكن اختلفا حول ما إذا كان هذا الأسلوب مُسْتَعْمَلاً حقيقةً في سياقِه أو لا! فالذين منعوا من المجاز في القرآن وأكدوا فيه كان منعُهم بناءً على أن هذا المجاز استُعمل على وجه غير صحيح، فقالوا مثلاً في الاستواء على العرش: لا يوجد استواءٌ على العرش أبداً، وإنما قوله تعالى: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤] يعني: استولى عليه، وإذا قلنا لهم: ولكن الله قال: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤] قالوا: هذا مجاز عن الاستيلاء، انظر الآن! أنكروا صفةً حميدة لله عزَّ وجلَّ وحوَّلوها إلى صفة لا يتميز بها الله سبحانه عن غيره؛ لأن الله مُسْتَولٍ على كل شيء.
ثم إن قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى} [البقرة:٢٩] يدل على أن الاستيلاء قابلٌ لغير الله؛ إذْ معناه: ثم استولى عليه.
فقولُ الذين أنكروا المجاز في القرآن وأكَّدوه مبنيٌّ على أن أولئك الذين قالوا بالمجاز توصلوا به إلى إنكار شيء لا يجوز إنكاره.
أفهمت؟! وللعلماء في هذه المسألة عدة أقوال: منهم من قال: كل اللغة مجاز، حتى إذا قلتَ: أكلتُ فشبعتُ، قال: هذا مجاز.
ومنهم من قال: لا مجاز في اللغة مطلقاً، ومِمَّن قال بهذا القول: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وشرح أدلتهما على ذلك ليس هذا موضعه؛ لأن الناس ربما يحتاجون شيئاً أهم من هذا.
ومنهم من قال: لا مجاز في القرآن، وأما اللغة ففيها مجاز.
والصواب: أنه لا مجاز في القرآن ولا في اللغة.