يقول الله عز وجل في الحج:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة:١٩٧] والجدال ثلاثة أنواع: الأول: جدال يريد به إثبات حق فهذا واجب حتى وإن كان الإنسان في الحج، ما دام يريد إثبات الحق فواجب عليه أن يجادل لكن بالتي هي أحسن لقول الله تبارك وتعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل:١٢٥] لا يقول: إن هذا جدال والله يقول: {وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة:١٩٧] نقول: هذا جدال واجب لابد منه، وهو دفاع في الواقع عن الحق أو إثبات له.
والثاني: جدال في أمور ليست حقاً ولا باطلاً، مثل أن يقول: الشيء الفلاني الذي في الجبل إنسان، وهذا يقول: حجلة، وهذا يقول: حجر وما أشبه ذلك ويتجادلون، هذا أيضاً منهي عنه لما فيه من تحريك النفس وصدها عما هي بصدده من الإقبال على النسك.
والثالث: أن يكون جدالاً باطلاً بمعنى: أنه يجادل وهو يعلم أن الحق بخلاف ما يقول، لكن يريد أن ينتصر لنفسه وأن تكون كلمته هي العليا فهذا آثم، آثم من جهة أنه جادل وهو محرم بالحج، ومن جهة أنه أراد أن يحق الباطل ويبطل الحق.
وفي هذه الحال: حبذا لو أن القافلة جعلت لها أميراً يحدد لها المصالح حتى لا يحصل النزاع؛ لأنه أحياناً يكون جدال: يقول: نريد أن نبقى، والثاني يقول: نمشي، هذا يقول: نقدم الغداء وهذا يقول: نؤخره، ويحصل جدال، إذا كان هناك أمير فحسن، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يأمروا أحدهم.
وتأمير هذا الواحد ليس معناه: أنه أمير بلا إمارة بل هو أمير له إمارة وله كلمة يجب قبولها؛ لأنه لما كان أميراً صار من أولياء الأمور، وقد أمر الله بطاعة ولي الأمر إذا لم يأمر بالمعصية.