للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[ضمة القبر للميت]

فضيلة الشيخ! حديث الصحابي الذي حضر جنازته سبعون ألف ملك، وعندما دفنه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لقد ضُم ضمة لو سلم منها أحد لسلم منها سعد بن معاذ) هل هذا حاصل لنا جميعاً أم لا؟

أما كونه حضر جنازته سبعون ألف ملك فهذا لا أعلم به، أما كونه ضمته فهو سعد بن معاذ رضي الله عنه، وهو سيد الأوس، وقصته معروفة مع بني قريظة الذين كانوا حلفاءه حين غدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فغزاهم وحاصرهم أكثر من عشرين ليلة، فلما تعبوا من الحصار سألوا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وكان سعد رضي الله عنه في خيمة له في المسجد؛ لأن أكحله أصيبت في يوم الأحزاب فبنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قبة -أي خيمة- في المسجد ليزوره عن قرب.

وكان رضي الله عنه لما سمع أن بني قريظة وهم حلفاؤه قد نقضوا العهد قال: [اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بهم] أي: بأن يؤخذوا بما نقضوا العهد.

بعد ذلك أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (إن حلفاءك أرادوا أن ينزلوا على حكمك، فجاء رضي الله عنه من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكان بني قريظة راكباً على حمار، فلما أقبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم) فقاموا إليه، ونزل ثم اجتمع رؤساء اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يحكم فيهم سعد بن معاذ، وكان اليهود ينتظرون أن يحكم سعد فيهم بما حكم به عبد الله بن أُبي في بني النضير لكن فرق بين عبد الله بن أبي رأس المنافقين وبين سعد بن معاذ رضي الله عنه.

فلما حضروا قال: حكمي نافذ عليكم؟ قالوا: نعم.

قال: وعلى من هنا؟ ولم يقل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من أدبه، ما قال: حكمي نافذ على الرسول، بل قال: وعلى من هنا؛ قال: أحكم فيهم أن يقتل مقاتلتهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات) ثم نفذ الحكم فقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية.

وبعد ذلك انبعث الدم من جرح سعد بن معاذ ومات رضي الله عنه، بقي حتى استجاب الله دعوته، أقر الله عينه ببني قريظة حتى صار حكمهم بيده، ولما حكم وانتهت قضيتهم انبعث الدم فمات رضي الله عنه، وورد في الصحيح: (اهتز عرش الرب لموت سعد بن معاذ) الله أكبر! وفي ذلك يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لـ سعد أبي عمر

أما الضمة فقد ورد أن القبر ضمه رضي الله عنه ولكن فيما أظن أن هذا الحديث فيه ضعف؛ لأن الأحاديث الصحيحة تدل على أن الرجل إذا سأله الملكان وأجاب بالصواب فسح له في قبره، فإن صح الحديث فالمعنى أنه أول ما دخل ضمه القبر ثم فسح له وقد ذكر أن ضمة القبر للمؤمن كضمة الأم الرحيمة لولدها، أي: ليس ضماً يؤلم أو يؤذي، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من السعداء.