أما إذا كانت المرأة هي التي لا تريد الزوج فإن لها أن تطالب بالفسخ إذا كانت لا تستطيع إطلاقاً، ولكن لابد أن تعطي الزوج ما خسر من المهر، ودليل هذا: امرأة ثابت بن قيس بن شماس، وتعرفون منزلة ثابت بن قيس بن شماس، حيث إنه من خطباء الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان خطيباً مصقعاً، شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة رضي الله عنه، لكن امرأته كرهته كراهة عظيمة فجاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالت له:(يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين -يعني: خلقه طيب ودينه مستقيم لا أعيب عليه- ولكني أكره الكفر في الإسلام -الكفر يعني كفر العشير ليس هو كفر الدين، يعني: أخشى ألا أقوم بواجبه- فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم -حديقته: مهر أعطاها إياه- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ثابت زوجها: اقبل الحديقة وطلقها، ففعل) هذا الأمر هل هو للإرشاد أو للإلزام؟ يرى بعض العلماء أنه للإرشاد، ويرى آخرون أنه للإلزام إذا لم يستقم الحال بينهما؛ لأنهما إذا بقيا على غير استقامة صارت عيشتهما نكداً، وإذا كان بينهما أولاد وحصلت الخصومة بينهما عند الأولاد صار هذا أنكد وأنكد، لكن إذا تفرقا فقد قال الله تعالى:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ}[النساء:١٣٠] يجعل الله له فرجاً ولها فرجاً، فيرى بعض العلماء أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام لـ ثابت:(اقبض الحديقة وطلقها) للإلزام؛ وذلك إذا لم يمكن استقامة الحال بينهما، لأن المقصود من الزواج ما ذكره الله عز وجل:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم:٢١] فإذا انتفى هذا المقصود فلا فائدة، يبقى كل منهما نكداً حتى ربما يشتغل بهذا النكد عن طاعة الله، يكون همه وتفكيره كله راجع إلى ما بينه وبين أهله وكذلك المرأة، فالفراق هنا خير من البقاء.
والحقيقة أن أحكام النكاح كثيرة لكن لقرب الوقت نقتصر على ما ذكرنا، ولعله يتيسر لنا جلسة أخرى إن شاء الله تعالى نكمل الباقي؛ لأنه مهم، وكثير من الناس تخفى عليه أحكام وكثير من الناس عنده عنجهية لا يبالي بإضاعة الحقوق لا بالنسبة للزوجة ولا بالنسبة للزوج.
نسأل الله لنا ولكم الهداية والاستقامة، وأن يجعلنا ممن تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.