للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يأتي زمان.]

) وانتشار الصحوة

فضيلة الشيخ! كيف يكون الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يأتي زمان إلا والذي بعده أشر منه) وبين ما نراه في واقعنا من إقبال الناس على الله؟! فنحن نجزم ونقطع قطعاًَ أن هذا الوقت أحسن من أوقاتٍ قد مضت من قلة المنكرات، وإقبال الناس على الله، وهذا شيء مشاهَد، وهو ما يُسمى الآن بالصحوة، ومعلوم أن هذه الصحوة لا تكون إلا بعد غفلة، فكيف يكون الجمع بين هذا وهذا؟

يجب أن نعلم أن القرآن وصحيح السنة لا يخالفان الواقع أبداً، فإذا وقع شيء يخالف ظاهر القرآن والسنة فاعلم أنك أخطأت في فهم الكتاب والسنة، وأن المراد بذلك معنىً لا يخالف الواقع.

الواقع الآن -كما تفضل الأخ- أن هناك إقبالاً شديداً ولله الحمد من الشباب على دين الله، ونسأل الله لهم الثبات وأن يوفقهم إلى الصواب؛ لكن هناك شر مستطير بالنسبة لكثير من الناس! هناك إقبال والحمد لله؛ لكن يوجد شر عظيم أيضاً، فالمنكرات الموجودة الآن في المسلمين هل كانت توجد من قبل؟! ما كانت توجد، بل ما كنا نصدق أن إنساناً يشرب الخمر! والآن الخمر في بعض بلاد الإسلام يُباع علناً، ويوضع في الثلاجات كما يوضع الشراب الحلال! وما كنا نظن أن شخصاً يلوط بمثله! والآن في بعض البلاد الإسلامية يُعْرَض الذكر على الإنسان كأنه امرأةٌ حلال! والمخدرات المهلكات للأمم هل كنا نعرفها؟! لا.

فالأمة الآن فيها خير كثير، وفيها شر، وإذا قارنت بين هذا وهذا فقد تقول: إن الخير أغلب إن شاء الله، وإذا لم يُرْدَع مِن قِبل أهل الشر فسَيَغلِب أهلُ الخير.

لكن المراد بالحديث: الوُلاة؛ لأن سبب ذكر أنس رضي الله عنه لهذا الحديث أن الناس جاءوا إليه يشكون ما يجدون مِن الحجاج، والحجاج بن يوسف الثقفي معروف، فقال لهم: (اصبروا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم) ، وهذا واقع بالنسبة للولاة، فما يأتي على الناس زمانٌ إلا وما بعده شر منه.

انظر الآن إلى البلاد الإسلامية، ولا سيما العربية التي نحن نعرف! فـ مصر -مثلاً- لما كانت ملكية هل هي أحسن، أم بعد أن صارت جمهورية؟! الأول أحسن بكثير، ثم الجمهوريات التي توالت عليها، كل جمهورية شر من التي قبلها! وانظر إلى العراق! ستجده كذلك! وانظر إلى الشام! ستجده كذلك! فالناس بالنسبة للولاة لا يأتي زمان إلا وما بعده شر منه، في الظلم، والبُعد عن الدين، وقمع أهل الحق، وغير ذلك.

أعرفتَ الآن؟! فصار المراد بذلك -فيما يظهر- هم الولاة؛ (لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه) .

قَدْ يَرِدْ على هذا خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فإن الخلفاء قبله كانوا شراً منه، وهو خير منهم بلا شك، خيرٌ ممن سبقه، لا سيما القريبين منه، فيقال: هذا لا يخالف الحديث؛ لأن نصوص الكتاب والسنة أحياناً تأتي على الأغلب، ليس على كل عين وكل فرد.